وقبلت عقول العامة هذه الأكاذيب، وأخذ اليأس يتسرب إلى نفوس الجنود، وأرادت الزباء أن تخرس الألسنة فخرجت لملاقاة أورليان عند أنطاكية- فارسة تحارب في طليعة الجيش- ونجحت شخصيتها القوية في أن تعيد الثقة إلى جنودها، وحققت نصرا على الرومان، إلا أن أورليان الذي تراجع بقواته سرعان ما باغت الزباء بهجوم مفاجئ حقق فيه نصرا كبيرا، مما اضطر الزباء إلى ترك أنطاكية لأورليان، لا بسبب هزيمتها فحسب، ولكن لأن القوم هناك كانوا يميلون إلى جانب الرومان بعواطفهم، فهناك جالية يونانية ذات نفوذ في المدينة تفضل حكم الرومان على حكم الشرقيين، وهناك كره النصارى للزباء بسبب موقفها من الأسقف "بولس السميساطي" الذي عزله مجمع أنطاكية، ولكنها لم تنفذ قرار العزل، وهناك كراهية اليهود للتدمريين1.
واستعدت الزباء لملاقة "أورليان" في حمص، على رأس جيش قوامه سبعون ألفا، وتكرر ما حدث في أنطاكية، نصر الزباء في أول الأمر، ثم هزيمة لها بعد ذلك، مما اضطرها إلى ترك حمص، والاحتماء بتدمر نفسهان وهكذا دخل أورليان حمص، فزار معبد الشمس، وقدم القرابين لإله المدينة، كما تعهد بتجميل المعبد وتوسيعه2.
وحاولت الزباء الاتصال بالفرس طلبا للمساعدة ضد عدوهما المشترك، غير أن القوم قد انشغلوا عن ذلك كله، بموت "سابور"، وتولية ولده "هرمز الأول" "272-273م"، ثم عزله بعد عام واحدا، هذا فضلا عن أن حراب القيصر وسخائه، كانا كفيلين بقطع الطريق على أية مساعدة فارسية تأتي للزباء، أضف إلى ذلك أن أورليان كان قد عزز قواته بنجدات أتته من مختلف أنحاء سورية، إلى جانب وصول "بروبوس" بقواته الظافرة من مصر3.
وهكذا بدأ الحصار القاتل على المدينة الشجاعة، التي قابلته بصبر وبطولة، بل وسخرية من قيصر روما، حتى أن هذه السخرية سرعان ما وصلت إلى روما