وكان أمر ضيافة الحجيج عملا لا يقل عن سقايتهم، وقد أسندتها قريش إلى الأغنياء من رجالاتها؛ لأن قدوم الحجاج من أماكن بعيدة من شبه الجزيرة العربية، يصعب معه حمل الزاد، ومن ثم فقد كانت الرفادة تكلف أصحابها الكثير من أموالهم، بجانب ما تقدمه قريش لهم، إلا أن هذا الأمر في الوقت نفسه قد أفاد قريشًا كثيرًا، إذ كانت المؤاكلة في نظر العرب، إنما عقد حلف وجوار، فضلا عن أن الضيافة في ذاتها من أكبر ما يحمد الرجل عليه، وهكذا كانت قريش بعملها هذا، وكأنها تعقد حلفا مع كل القبائل العربية، تحمي به تجارتها، وتسبغ على رجالاتها نوعًا من التقدير والاحترام عن العرب، لا يتوفر لغيرهم1.
وخطت قريش خطوة أخرى في اجتذاب القبائل العربية، فنصبت أصنام جميع القبائل عند الكعبة2، فكان لكل قبيلة أوثانها تأتي في الموسم لزيارتها وتقديم القرابين لها، وهكذا أخذ عدد الأصنام يزداد عند الكعبة بمرور الزمن، حتى جاء وقت زاد عددها على ثلاثمائة، كان منها الكبير ومنها الصغير، ومنها ما هو على هيئة الآدميين أو على هيئة بعض الحيوانات أو النباتات، وإن كان أكبرها جميعًا إنما هو "هبل" الذي جعله القوم على هيئة إنسان من عقيق أحمر3.
ويبدو أن الأساس الذي قامت عليه مكانة الكعبة، أن البيت الحرام بجملته كان هو المقصود بالقداسة، غير منظور، إلى الأوثان والأصنام التي اشتمل عليها، وربما