وقد عملت قريش على توفير الأمن في منطقة مكة، وهو أمر ضروري في بيئة تغلي بالغارات وطلب الثأر، حتى يكون البيت الحرام ملاذا للناس وأمنًا، وحتى يجد فيها من تضيق به الحياة، ويتعرض لطلب الثأر، الأمن والحماية، ولعل هذا هو السبب في أن تسن قريش الأشهر الحرم في موسم الحج، حتى يأمن الناس فيه على أنفسهم وأموالهم، هذا فضلا عن حركة إصلاح أخرى قامت بها قريش، مؤداها ألا تقر بمكة ظلما، سواء أكان من أهلها أم من سائر الناس، فعقدت مع قبائلها ومع القبائل الأخرى المجاورة حلفا عرف "بحلف الفضول"، يروي المؤرخون أن قبائل من قريش تداعت إلى حلف، فاجتمع في دار "عبد الله بن جدعان" بنو هاشم وبنو المطلب وبنو أسد وبنو زهرة وبنو تيم، وتعاهدوا على أن لا يظلم بمكة غريب ولا قريب، ولا حر ولا عبد، وإلا كانوا معه حتى يأخذوا له بحقه من أنفسهم ومن غيرهم، وعمدوا إلى ماء زمزم فجعلوه في جفنة وبعثوا به إلى البيت الحرام، فغسلت به أركانه وشربوه، ومن عجب أن الأمويين وبني عبد شمس قد أبوا على أحد منهم أن يدخل هذا الحلف، وقد روي عن رسول الله -صلى الله وعلى آله وسلم- أنه قال: "لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت " 1.

ولم تكتف قريش بذلك، وإنما عملت على توفير الماء والطعام للحجيج في منطقة يشح فيها الماء ويقل الطعام، ومن ثم فقد قامت بحفر الآبار في منطقة مكة وأنشأت فيها أماكن للسقاية، ثم أوكلت سقاية الحاج إلى البطون القوية منها، وهكذا غدت سقاية الحاج -بجانب عمارة البيت وسدانته- عملا يراه القوم في قمة مفاخرهم وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} 2.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015