ولعل من أهم أعمال قصي أنه جعل وظيفة "سدانة الكعبة" -وهي خدمة البيت الحرام- من أهم الوظائف في عهده، والأمر كذلك بالنسبة إلى وظيفة "السقاية"، بخاصة في بلد شحت مياهه في وقت كان يستقبل فيه أكثر مما يطيق من الحجيج، ومن ثم فقد كان على صاحب السقاية توفير المياه لزوار بيت الله الحرام، حتى ييسر لهم مهمة الحج، ويجعل الإقبال عليه كبيرا، ومن ثم يذهب الأخباريون إلى أن قصيا قد حفر بئرًا سماها "العجول"، وكانت "الرفادة" -وهي خرج تدفعه قريش من أموالها إلى قصي ليصنع منه طعامًا للحجاج ممن لم يكونوا على ميسرة- من الوظائف الهامة التي ظهرت في مكة على أيام قصي، وتروي المصادر العربية أن قصيا قال لقومه: "إنكم جيران الله وأهل بيته وأهل الحرم، وأن الحاج ضيف الله وزوار بيته، وهم أحق الضيف بالكرامة، فاجعلوا لهم طعامًا وشرابا أيام الحج حتى يصدروا عنكم"، ففعلوا فكانوا يخرجون من أموالهم فيصنع به الطعام أيام "منى"، فجرى الامر على ذلك في الجاهلية والإسلام، وأخيرًا كان من أعمال قصي "اللواء" وهو رياسة الجيش في الحروب، ويسند لمن بيده اللواء، يسلمونه إليه عند قيام الحرب1، وتجمع المصادر الإسلامية على أن مولانا وسيدنا رسول الله -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ- قد ألغى هذه المناصب جميعًا يوم فتح مكة، إلا سقاية الحاج وسدانة الكعبة2.
ويجمع المؤرخون على أن قصيا إنما ظل يمسك بهذه الوظائف جميعًا حتى وفاته، كما ظل كذلك الرجل الوقور المطاع في قومه، لا يخالف، ولا يرد عليه شيء أقره، ولعله في جمعه لرياسة دار الندوة وعقده اللواء وجمعه الرفادة، يقابل في اصطلاحاتنا الحديثة، رياسة السلطات التشريعية والحربية والمالية، إن جاز هذا التعبير3-