أو تجارة أو مشورة أو نكاح، فما كان لرجل ولا لامرأة أن يتزوج إلا فيها، وما كان لفتاة من قريش أن لا تدرع إلا فيها، ومن ثم فقد كان على صاحب الدار أن يشق درعها بيده، وكان القوم يفعلون ذلك ببناتهم إذا بلغن الحلم، وربما كان الغرض من ذلك التعريف بالبالغين من قريش -ذكورا كانوا أم إناثا- وأما أعضاء دار الندوة هذه، فكانوا جميع ولد قصي، وبعضا من غيرهم، على شريطة أن يكون الواحد منهم قد بلغ الأربعين من عمره، أو كان من ذوي القدرات الخاصة1، وهكذا كانت دار الندوة بمثابة دار مشورة ودار حكومة في آن واحد، يديرها الملأ من القوم -الذين كانوا يشبهون إلى حد ما أعضاء مجلس الشيوخ الآثيني2- ويتكونون من رؤساء العشائر وأصحاب الرأي والحكمة فيهم، للنظر فيما يعترض القوم من صعاب3.

وكان قصي شديد العناية بعمارة البيت الحرام، الذي يزعم البعض أنه أعاد بناءه، ومن ثم فهو أول من جدد بناء الكعبة من قريش، ثم سقفها بخشب الدوم وجريد النخل، كما كان أول من أظهر الحجر الأسود بعد أن دفنته "إياد" في جبال مكة، ثم أوكل أمره من بعده إلى جماعة من قريش، حتى أعاد القوم بناء الكعبة في عام 606م "35ق. م" فوضعوه في ركن البيت بإزاء باب الكعبة في آخر الركن الشرقي، ويحدثنا التاريخ أن القوم كادوا يقتتلون على من يحوز شرف إعادة الحجر الأسود إلى مكانه، لولا حكمة سيد الأولين والآخرين -محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وذلك بأن وضع الحجر في ثوب، ثم أمر بأن تأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم رفعوه جميعًا، فلما بلغوا موضعه، وضعه بيده الشريفة، ثم بنى عليه4.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015