3- التفسير:

نزل القرآن الكريم بلغة العرب، وعلى أساليب العرب وكلامهم1، يقول تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عربيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} 2، وهذا أمر طبيعي لأنه أتى يدعو العرب -بادئ ذي بدء- ثم الناس كافة، إلى الإسلام، ومن ثم فلا بد أن يكون بلغة يفهمونها3: تصديقًا لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} 4.

ورغم أن القرآن الكريم نزل بلسان عربي، وفي بيئة عربية كانت تفاخر من نواحي الحضارة بفن القول، فإنه لم يكن كله في متناول الصحابة جميعًا، يستطيعون أن يفهموه -إجمالا وتفصيلا- بمجرد أن يسمعوه، لأن العرب- كما يقول ابن قتيبة5- لا تستوي في المعرفة بجميع ما في القرآن من الغريب والمتشابه، بل إن بعضها يفضل في ذلك على بعض.

إلا أن هذا لا يمنعنا من القول بأن الصحابة على العموم كانوا أقدر الناس على فهم القرآن، لأنه نزل بلغتهم، ولأنهم شاهدوا الظروف التي نزل فيها، ومع ذلك فقد اختلفوا في الفهم حسب اختلافهم في أدوات الفهم، وذلك لأسباب، منها "أولًا" أنهم كانوا يعرفون العربية على تفاوت فيما بينهم، وإن كانت العربية لغتهم، ومنها "ثانيًا" أن منهم من كان يلازم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- ويقيم بجانبه، ويشاهد الأسباب التي دعت إلى نزول الآية، ومنهم من ليس كذلك، ومنها "ثالثًا" اختلافهم في معرفة عادات العرب في أقوالهم وأفعالهم، فمن عرف عادات العرب في الحج في الجاهلية، استطاع أن يعرف آيات الحج في القرآن الكريم، أكثر من غيره ممن لم يعرف6.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015