قسم آخر -عن طريق مأرب ونجران- إلى شبه جزيرة سيناء، وإلى فلسطين والأردن بينما ذهب فريق ثالث -عن طريق باب المندب- إلى الصومال وكينيا وتنجانيقا1.
هذا وقد استمرت هذه الهجرات إلى السواحل الأفريقية، حتى في العصور التاريخية، وربما يرجع ذلك إلى العوامل المناخية والاقتصادية، فضلا عن المصالح التجارية الخارجية، وهكذا كانت حركة التجارة، فضلا عن ثروات أفريقية، دافعًا قويًّا إلى الفتح والاستيطان الدائم، ومن ثم رأينا العرب الجنوبيين يهاجرون إلى أفريقية، وبمرور الزمن أخذوا يستقرون هناك ثم سرعان ما يلعبون دورًا خطيرًا في إرساء قواعد حضارة وثقافة تنبثق من صميم الحضارة في جنوب شبه الجزيرة العربية، وهكذا بدا العرب الجنوبيون يتجهون نحو أفريقية منذ وقت مبكر، على دفعات متعددة، وفي أوقات مختلفة، وفي الألفي سنة الأخيرة قبل الميلاد هاجرت جماعات عربية جنوبية إلى الحبشة، وبلغت هذه الهجرات أقصاها فيما بين عامي 1500، 300ق. م2.
ويرى "كارل بيترز" أن جالية عربية كانت تعيش في المنطقة الواقعة بين نهري الزمبيزي واللمبوبو، منذ الألف الثاني قبل الميلاد، وأن المعبد الكبير في "زمببوية" بني عام 1100ق. م، وأن السبئيين كانوا أصحاب السيادة في ذلك الوقت3، على أن الأمر، إنما يزداد وضوحًا منذ القرن السادس قيل الميلاد، حيث نزحت جالية سبئية إلى منطقة "تعزية" في أريتيريا -وكذا إلى هضبة الحبشة- مكونة حكومة محلية هناك4، ولعل هجرة الأوسانيين إلى السواحل الأفريقية، إنما كانت في نفس الفترة، حيث اتخذوا من "عزانيا" مقرًّا لهم، أضف إلى ذلك كله تلك الهجرة السبئية التي حدثت في القرن الخامس قبل الميلاد5.