الإسرائيليات فيها أوضح من أن يشار إليه، والأثر العربي عندما أضيف إليها، فإنما أضيف بطريقة فجة للغاية.
ولعل أهم ما يلاحظ على هذه الرواية، إنما هي نقاط كثيرة، منها "أولًا" اعتبار "نبوخذ نصر" -وهو الوثني- هو الغيور على أنبياء الله، والمنتقم لقتلهم، وهذه نظرية يهودية صرفة، فالذي يقرأ التوراة يرى أنها تتخذ من الملوك الوثنيين أداة لربهم "يهوه" للانتقام من إسرائيل، شعبه المختار، حدث ذلك، عندما مسح "إليشع" النبي باسم "يهوه" ملك دمشق "حزائيل"1، رغم أنه ليس إسرائيليًّا، ولم يكن عابدًا ليهوه أبدًا، ذلك لأن رب إسرائيل -فيما يرى الحاخام الدكتور أبشتين- أراد أن يجعله سوط عذاب على إسرائيل، شعبه الآثم الشرير2.
ومنها "ثانيًا" أن "برخيا" النبي اليهودي كان يقيم في نجران"، وأنه ذهب إلى "بابلط ليحرض -بأمر ربه- نبوخذ نصر ضد العرب، ولست أدري ما صلة "برخيا" هذا بنجران، والمعروف أن الرجل إنما كان يقيم في أورشليم، وبخاصة في الفترة التي كانت قوات "نبوخذ نصر" تدق أبوابها بعنف، وأن "باروخ" -وهذا هو اسمه الصحيح- وكذا سيده "إرميا" إنما كانا يعلنان في تلك الفترة الحرجة من تاريخ قومهما أن "نبوخذ نصر" هو خادم الرب يهوه، وأن قبضته حديدية ولن تكسر، ومن ثم فقد بدأ إرمياء نصائحه -كما جاءت في التوراة نفسها3- بضرورة الخضوع للعاهل البابلي، حتى أنه اتهم من قبل حكام يهوذا بإضعاف الروح المعنوية بين الجيش والشعب على السواء، ولهذا فليس من العجيب أن نبي الويل هذا، قد ألقي به في غياهب السجون لمجاهرته بالخذلان، ولم يطلق سراحه إلا بأمر من نبوخذ نصر، وإلا بعد أن سقطت أورشليم تحت أقدام البابليين، وأخذ الجزء الأكبر من سكانها أسارى إلى ضفاف الفرات -وهو ما عرف في التاريخ بالسبي البابلي في عام 586ق. م- وكان إرمياء نفسه من بين الأسرى، حيث منحه العاهل البابلي حريته، ربما مكافاة له على الدور الذي قام به في بث روح اليأس بين قومه، مما سهل للفاتح البابلي