النبيّيْن اليهودييْن -إرمياء وبرخيا- قد كتب لهما نجحا بعيد المدى في تحقيق مهمتهما، فقد حملا "معد" إلى حران في ساعة من زمان، وذلك لأن "برخيا" قد استعمل "البراق في مهمته، فحمل "معد" عليه، وأردف هو خلفه، ولأن الأرض كانت تُطْوَى لهما طيًّا.

وفي هذه الأثناء كان "نبوخذ نصر" قد جمع جيشًا كثيفًا لإفناء سكان بلاد العرب -بناء على رؤيا رآها في المنام، أو لأن برخيا بوحي من ربه قد أمره بذلك- وأيًّا ما كان السبب، فإن "عدنان" والد معد، قد جمع هو كذلك جيشًا كثيفًا من العرب لمقاومة هجوم الملك البابلي، وسرعان ما التقى الجيشان في "ذات عرق" ودار بينهما قتال شديد، كانت الغلبة فيه من نصيب البابليين، ومن ثم فقد تابع "نبوخذ نصر" مسيرته في بلاد العرب، مطاردًا جيش "عدنان" المهزوم، حتى إذا ما أتى "حضورا"، كان "عدنان" قد جمع العرب -من عربة إلى حضورا- مرة ثانية، وخندق كل واحد من الفريقين على نفسه وأصحابه، إلا أن "نبوخذ نصر" قد أعدَّ للعرب كمينًا، وسرعان ما نادى منادٍ من السماء "يا لثارات الأنبياء"، فأخذتِ العربَ السيوفُ من كلِّ جانب، وحقق العاهلي البابلي نصرًا كاملا على العرب، وعاد بجم غفير من الأسرى والسبايا، حيث أسكنهم "الأنبار"، ثم ما أن يمضي حين من الدهر، حتى ينتقل "عدنان" إلى الدار الآخرة، وتبقى بلاد العرب بعده -وطوال أيام نبوخذ نصر- خرابًا.

وأما "معد بن عدنان" فتذهب الرواية إلى أنه قد عاد من حران، ومعه أنبياء بني إسرائيل إلى مكة، ثم أتى "ريسوب" حتى تزوج هناك من "معانة" بنت "جرشم بن جلهمة" من ولد الحارث بن مضاض الجرهمي، والتي أنجبت له ولده "نزار"1.

والرواية -كما قدمناها نقلا عن المؤرخين المسلمين- جد هشة، وسهام الريب توجه إليها من كل جانب، وليس بالوسع القول بأنها ترقى إلى ما فوق مظان الشبهات، بل هي نفسها شبهة، وشبهة ساذجة كذلك، حتى وإن تمسح مختلقوها بمعد بن عدنان -الجد الأعلى لمولانا وجدنا رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فإنما هو العسل يوضع فيه السم، حتى يسهل ابتلاعه، ولكن هيهات، فأثر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015