الحذاءَ بالخشبة التي تُسمِّيها الأساكفةُ "قالبًا".

والقصدّ إِلى الشيء، فيما قيل؛ نحو:

ولأنت تفري ما خلقتَ وبعض القوم يخلُق ثمّ لا يفرى

أى تُحكِم ما قصدتَ إِليه من أمورك. وأصله من قولك، "خَلَقتُ الأديمَ"، إِذا قَدَّرته وهَيأتَه لما تُريد من قميضٍ، أو وعاءٍ، ونحوه، ثمّ تُقطّعه على حسب ذلك. فنقول: إِنّك إِذا قَدَّرتَ في نفسك شيئًا، فَعَلتَه في الخارج مطابِقًات لذلك التقدير الذهنيَ؛ فهو بصفة إِحكام تصوُّراتِه الذهنيّة وأفعالِه الخارجيّة ونظائرهما.

وهو، بهذه المعاني الثلاثة، جائزٌ من الله ومِن خَلقِه. ثمّ اختُلِف في أنّ الخلق حقيقةٌ في المعنى الأوّل، مجازٌ في غيره، يحتاج في حملِه عليه إِلى قرينةٍ؛ أو أنّه حقيقةٌ في كلّ واحدٍ من المعاني المذكورة بالاشتراك. والأوّل رأي الأشعريِّ. والثاني رأي القاضي أبى بكر من أصجابه. والأوّل أَولى؛ لتبادُرِه إِلى الذهنِ عند الإِطلاق؛ ولأنّه يُعارِض الاشتراكَ والمجازَ، وهو أَولى.

ثمّ اخَتَلفت في حقيقته عباراتُ الأئمّة؛ فقال بعضُهم: "الخلق هو فِعل فاعلٍ". وهو ضعيفٌ؛ لأنّه يقتضي أن يكون كلُّ فعلٍ خَلقًا؛ وليس كذلك. بل الخلق أَخَصُّ من الفعل؛ فكلَ خَلقٍ فِفعلٌ، وليس كلّ فعلِ خَلقًا. فأفعال الله سبحانه تُسمّى "خلقًا"، بمعنى أنها إِحداثٌ وإِبداعٌ واختراعٌ، وتُصير المعدومَ موجودًا، وبالعكس. وذلك حقيقة الخلقِ في الاختيار.

وأفعال العبادِ لا تُسمَّى "خلقًا"، إِلا أن يُرادَ به الكسبُ، على ما يأتى بيانُه، إِن شاء الله تعالى. ولهذا، أَخبر اللهُ سبحانه عن نفهس، ووصفها بالخلق، في غير موضعٍ. ولم يَصِف به خلقَه؛ بل يقول: {بما كانوا يفعلون}، {يعملون}، {يكسبون}،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015