الرازيّ، مع تَبَحُّرِه في الكلام، ومعرفتِه بطُرٌقِ الاستدلال والإلزام، لَمَّا أورَد شُبهاتِ أب الحسين الآتي، إِن شاء اللهُ، ذِكُها، وأجاب عنها، قال بعد ذلك: "فإِن قيل: " فما الحيلة؟ " قيل: الحيلةُ تَركُ الحيلةِ، والرجوعُ إِلى قوله تعالى: {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}. وكلامه هذا مقتضبٌ مّما سبق، من قول الصِّدِّيقِ، "العجز عن دركِ الإِدراكِ إِدراكٌ".
وعند هذا، يُحتاجُ، قبلَ الشُروعِ في خاصيّة المسألة، إِلى بيانِ معنى "الكسب" و "الخَلْق"؛ لأنّ مدارَ المسألةِ عليهما؛ إِذ أفعال العبادِ عندنا صادرةٌ؛ أعني خَلقَ البارئِ، وكسبَ العبدِ. فنقول: "الخَلق" يُستعملَ بمعاني:
منها الإِبداعوالاختراع، وهو إِيجاد الشئ بعد أن لم يَكن؛ كقوله سبحانه: {خلق السموات والأرض}، {وخلق كل شئ}، {خالق كل شئ}. وهذا خاصٌ بالله، يستحيل من غيره.
ومنها الكذبُ والافتِراء والاختِلاق؛ نحو: {إن هذا إلا خلق الأولين}، بسكون اللام؛ و {إن هذا إلا اختلاق}. وهذا على الله مستحيلٌ.
ومنها التصوير، وهو جعل المادّة على شكلٍ وصورةٍ ما، نحو: {وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير}، {فتبارك الله أحسن الخهالقين}، أى المصوِّرين.
وتقديرُ الشيء بالشيء، أي جَعلُه على قَدْرِه. ومنه سُمِّي الحذّاءُ "خالِقًا"، لأنّه يُقَدِّر