فهذا الرجل قد أنكَر القدرةَ بالكلّيّة؛ فعذرَة اللهُ لجهله، ورحِمه بإِيمانه. ومَن تأوَّل هذا الحديثَ على غير ما ذكرناه مِن جهلِ الرجلِ بقدرة الله عليه، فقد راغَم ظاهرَ السنّةِ وليس ذلك بصعبٍ. فإِنّ العلماء قالوا: مَن مات في مُهلة النظرِ قبل أن يَعرف اللهَ، فهو مِت أهل السلامة". فمَن عرَف اللهَ، وخفي عليه بعضُ صفاته، أَولى بذلك.
وإِذا ثبت تجاوزُ اللهِ عمّن أنكَر قدرتَه جهلًا، فتجاوُزُه عمّن أنكَر أثرًا مِن آثار قدرته جهلًا، أو لتعارُض الأدلّة، أولى. وإِذا ثبت أنّ الشاعرَين المذكورين يستحقّان الجائزةَ عقلًا وشرعًا، فالتفاوت يظهر بين المقصِّر والمبرز في أنّ للممدوح أن يُفضِّل أحدَهما على الآخر بحسب ما بنيهما من الفضيلة. فكذلك هؤلاء المختلِفون في هذه المسائل؛ يكون المخطئ منهم سالمًا، أو يتفاوتون في الثواب بحسب تفاوتهم في إِدراك الصواب. وعلى الله توكُّلي، وإِليه مآبٌ.
ولا يَلزم على هذا خطأُ اليهودِ والنصارى، مع أنهم مجتهدون، فينبغي أن يُعذَروا. لأنّ القرآن صرّح بأنهم معانِدون مُراغِمون. حتى لو ثبت أنهم لم يراغموا، لعذرناهم كغيرهم. وأيضًا، فالذي نازعوا فيه قطعي، لا مّما نحن فيه.
وهذا آخر ما تَيَسَّر إِيرادُه من هذا الكتاب. نسأل الله سبحانه أن يجعله خالصًا لوجهه، وأن ينفع به كثيرًا من خلقِه، ويوفّقنا في القول والعمل للإِصابة، ويعفو عن زللنا في السَمعِ والإجابَةِ.