{يقترفون}؛ ولم يقل قط: "بما كانوا يِخلقون". وأمّا قوله: {وتخلقون إفكا}، فهو من معنى الكذب. وقوله، {أحسن الخالقين}، هو من معنى التصوير، كما سبق فيهما.
وأمّا "الكسب"، فهو، في عُرفِ اللغة، تحصيلُ الشيء مباشَرةً. ولذلك سُميَت جوارحُ الطيرِ وسباعُ الوحشِ "كواسب". قال لبيدٌ: "غُبسٌ كَواسِب ما يُمَنُّ طعامُها"؛ يعني الذئبَ، لا مِنّة عليها في طعامها؛ لأنها تَكسبه بأنفسها. ولهذا لم يوصف االهُ سبحانه والاكتساب، لأنه سبحانه فَعالٌ بلا مباشَرة. كما قال ذو النون، في وصفِه تعالى، "موجودٌ بلا مزاجٍ، فعالٌ بلا علاجٍ". فأمّا إِطلاق "الكسب" على ما لا مباشرة فيه، كقولهم، "كسَب مالى"، بمعنى "ربح"، فهو تنزيلٌ للمال منزلةَ كاسبٍ مباشرٍ مجازًا، مع أنّه عُرفٌ عامي.
ثمّ لهم في حقيقة الكسبِ عباراتٌ. قال القاضي: "هو ما وُجِدت عليه قدرةٌ حادثةٌ". وفيه إِجمالٌ وفسادٌ؛ إِذ هو مُشعرٌ باستقلال القدرة الحادثة بالإِيجاد؛ وليس هعو المرادَ. بل يريد وصفَ الحادثِ بأنّه كسبُ العبدِ. وحينئذٍ، يَصير تعريفُ الكسب بالكسب؛ وهو دورٌ. وقيل: "هو المقدور عليه بالقدرة الحادثة". وهو قريبٌ ممّا قبله. وقيل: "هو المتعلُق بالقادر عليه، لا على جهة الحدوث". وهو أقربها.
وأصحّ ما قيل فيه: "إِنّ الكسب أثرُ القدرةِ القديمة في محلِّ القدرةِ الحادثة". وذلك أنّ الله سبحانه هو يخترع الأفعالَ ويوجِدها على أدوات العبدِ وجوارحه، مطابقةً لعزمِه وإِرادته واختياره. وجوارحُه، مطابِقةً لعزمِه وإِرادته واختياره. وجوارحُه هي محلُّ قدرتِه الحادثة.
فهو، في التقريب والتصوير، كما يُحرِّك أحدًنا، أو الريحُ، شجرةً أو نباتًا. فالحركة، في رأيِ العينِ، قائمةٌ بالشجرة. ومادّتها، في الحقيقة، مِن ذلك المحرِّك. غير أنّ حركة العبدِ، في أفعالِه المقدورة فيه، مطابِقةٌ لقصدهِ واختيارِه. بخلاف الشجرة؛ إِذ ليس لا قصدٌ ولا اختيارٌ. فبالأوّل، انفصل مذهبُنا من مذهب القدريّة. وبهذا الأخير، تميَّزَ عن