الأميرَ، فترجّل"، أي له؛ و"إِذا بَرزتَ إِلى خصمك، فتأهّب"، أي له. سَلَّمناه؛ لكن لا نُسَلِّم أنّ الزيادةَ على النصّ نَسخٌ، لما تقرّر في أصول الفقه.
المأخذ الثاني: أنّ الوضوء عبادةٌ، أم لا؟ أو أنها مترددةٌ بين العبادات والعادات؟ فأيّهما يُغلَّب فيها؟ وبأيّهما يُلحَق؟ وظاهر كلامه في هدايتهم أنّه من ذوات الوجهين. فمن حيث هو مفتاحٌ للصلاة، يَصحّ بدون النيّة؛ ومن حيث هو قُربَةٌ، لا يَصحّ بدونها. فلهذا، سُنَّت له النيّةُ، ليَحصُل كونُه مفتاحًا وقُربًة.
والصواب أنها عبادةٌ؛ لقوله عليه السلام: "الوضوء شطر الإيِيمان"؛ والإِيمان عبادةٌ. ولأنّ معنى العبادة، وهو الانقياد والذل، حاصلٌ في الوضوء. إِذ لولا استشعار ذلِّ العبوديّة بين يدي عزّة الربوبيّة لَما انقاد أحدٌ للصلاة، فضلًا عن الوضوء.
ومنها قولهم، "لا يُقبَل في رؤية الهلال في الصحو إِلاّ خبرٌ يُحَصِّل العلمَ". وهو بناءٌ على قاعدتهم في أنّ خبر الواحد فيما نعمُّ به البلوى غيرُ مقبولٍ. لأنّ عموم البلوى يقتضي تَوفُّرَ الداوعي على النقل؛ فعَدَمه مستفيضًا يَدلُّ على ضعف الخبر. وهذا تصرُّفٌ عقلي، مع العلم بأنّ أحكام الشريعة مبنيّةٌ على غلَباتِ الظنونِ. ولو صحّ ما ذكروه، لكان أولى ما اعتُبرت الاستفاضةُ في حقوق الآدميين. وقد قيل في الأموال والنفوس والحدود ما لم يَبلُغ الاستفاضة، كأربعةٍ في الزنا، واثنين في القصاص والمال، ورجلٍ وامرأتين وشاهدٍ ويمينٍ، عند الجمهور.
ومنها ما حكاه الزنجاتيّ عنهم في كتاب تخريج الفروع على الأصول، من أنّ الصبيّ يَصح إِسلامُه؛ لأنّ حُسن الإِسلام وقبح الكفر معلومٌ بالعقل.
وتصح شهادةِ الكفّارِ بعضهم على بعضٍ لأنّ قُبحَ الكذبِ عقليِّ؛ فلا يُقدِم عليه