العاقلُ. ولو قَبُحَ هذا، لجازت شهادتُهم مطلقًا، حتى على المسلمين.
وقد ذكر العالميّ الحنفيّ في قواعده مسائلَ نازعةً هذا المنزع، وقرّر مآخذها. وأنا أذكر بعضَها، وأُبيّن ضعفَ تلك المآخذ، وأنها نازعةٌ إِلى مناسباتٍ عقليةٍ لا تسلَم من مُبطلٍ.
فمنها أنّه ذكر مسألةَ لزومِ النفل بالشُروع. وقرّرها بما حاصله أنّ الله سبحانه إنما خلق خلقَه للعبادة؛ لقوله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، أى يوحّدوني ويأتون بالعبادة على وجهها. وذلك يقتضي وجوبَ جِنسِ العبادات، على جنس المكلَّفين، في جنس الأوقات؛ وأنّ المكلَّف يَستغرِق وقته بالعبادة. لكنّ الله سبحانه لَطَفَ بهم؛ فعَين لبعص عباداته أوقاتًا تُفعَل فيها، ووكَّل بعضَها إِلى اختيار المكلِّفين، توفيرًا لأكثر أوقاتهم عليهم، لئلاّ تتعطّل معايشُهم. فإِذا عين العبدُ وقتًا للعبادة بالنذر أو الشُروع، دلّ على فراغه لها. فعَمل الدليلُ الأصليُّ عملَه؛ فلَزِمَت بالشروع. قلتُ أنا: فكأنهم نَزّلوه بذلك منزلةَ المقر المؤاخَذ بإِقراره.
قلتُ: هذا منزعٌ لا بأس به؛ إِلاّ أنّه مناقَشٌ عليه في مواضع.
أحدها: قوله، "الآية اقتضت وجوبَ جنس العبادات، في جنس الأوقات"، فيه نظرٌ؛ لأنّ لفظ "العبادة" فيها مطلَقٌ، والوقت غير مذكورٍ فيها صريحًا؛ وإنما دلَّ عليه الفعلُ لزومًا. وهو أيضًا مطلقٌ، والمطلق لا عموم له.
الموضع الثاني: أنّ "العبادة" هنا عند بعض المفسّرين التوحيدُ؛ لأنّه المطلوب الأهمّ. ولهذا اتّفقنا على أنّ مَن مات موحِّدًا، كان له حُكم المسلمين، وإِن لم يأتِ بعبادةٍ فرعيةٍ