وأمّا فروعه في الفقه، فكثيرةٌ بالضرورة؛ لأنّه إِذا كثُرت فروعُه الأصوليّة، مع كونها قواعدَ كلّيّاتٍ، ففروعه الفقهيّة، مع أنها جزئياتٌ لتلك الكلّيّات، أَولى. وأكثر المذاهب نزوعًا إِلى قاعدةِ التحسين والتقبيح في الفروع مذهبُ أهل الرأي من الكوفيّين. وسببُ ذلك، فيما قيلَ، قلّةُ محصولهم من النصوص. فكانوا يجتهدون في إِصابة الحقّ بالقياس؛ فيجذبهم العقلُ إِلى ما ألفَهُ محصولهم من النصوص. فكانوا يجتهدون في إِصابة الحقّ بالقياس؛ فيجذبهم العقلُ إِلى ما ألفهُ واعتاده وطُبِع عليه من الأمور الملائمة والمناسبات المقبولة.
ولا أعني، بنزوعِ مذهبهم إِلى قاعدة التحسين والتقبيح، أنهم يقولون بها ويُفَرعون عليها. بل هي نازعةٌ إِليها لضربٍ من الشبهِ، أو الإِغراق في طَلَب المناسَبة، أو التحقيق. فيجاوزون الحدَّ في ذلك؛ وهو معنى ما سَبَق. ولا شكّ أنّنا نحن وغيرنا من المذاهب، وإِن قلنا باعتبار المصالح والمناسَبات، لكنّها مناسباٌ شهد لها الشرعُ، ودلّ عليها الدليلُ. فأمّا مجاوَزة الحدِّ في اعتبار المناسبات إِلى أن يُعتبر منها ما لا شاهد له، أو لا دليل عليه، بل قد يخالِف النصوصَ، فليس ذلك من باب اعتبار المصالح.
فمِن ذلك، أنّ النيّة شرطٌ في الوضوء، عندنا. وعندهم، هي سنّةٌ لا تجب. فذكر الزنجاتيّ في مآخذ الأحكام للخلاف مأخذًا. وهو أنّ الماءِ عند أبي حنيفة مطهَّرٌ بطبعه، كما أنّه مُروٍ بطبعه؛ فلا يحتاج إِلى النيّة. فجَعَلَه من قبيل العادات. وهو عندنا من قبيل العبادات المفتقرة إِلى النيّة المميَّزة لها من العادات. وهذا مأخذٌ نازِغٌ إِلى الطبيعيّات، فضلًا عن العقليّات. والمشهور في هذه المسألة مأخذان.
أحدهما: أنّ اشتراط النيّة في الوضوء زيتدةٌ على النصّ. والزيادة على النصّ نَسخٌ؛ فتحتاج إِلى دليلٍ. وجوابه: لا نُسلَّم أنّ اشتراطَ النيّة زيادةٌ على النص؛ بل النصّ دال على النيّة. إِذ معقوله {إِذا قمتم إلى الصلاة}، لأجلها؛ كقولك، "إِذا صادفتَ