ويغيِّر الأوضاعَ؛ فيكون قتلًا بغير محّدٍ. وفيه خلافٌ مشهورٌ بنيهما وبين العمل وغيره. فأين خلاف الإجماع؟
ومنها إِنكارهم الجنَّ والشياطينَ، مع تصريح النصوص بهم، وإِجماع الأمّة على ثبوتهم، بناءً على أصلين. أحدهما فلسفىِّ، وهو أنّ عنصر النار وحده لا يمكن أن يوجَد منه جسمٌ؛ لأنّه بسيطٌ؛ فلا يوجَد منه بمفرده مركَّبٌ.
والجواب له: يجوز أن يخلق اللهُ الحياة والإِدراكَ في البسائط؛ فلا ضرورة إِلى التركيب. على أنّا نقول: ما تعنون بالبسيط؟ إِن عنيتم ما استوت أجزاؤه في الحدّ والحقيقة، فقد نمنعه، وندَّعي تركُّبَ الشيطان من النار وعناصرَ أخَر يعلَمُها الله. لكن لغلبة الناريّةِ عليه، قيل: "خُلِق من نارٍ"، واقتُصر على عنصرِها في مادّته.
الأصل الثاني أنّ عندهم، مع صجّةِ الحاسمّة، ومقابلةِ المرئيِّ، وارتفاعِ الحجُب والموانع، وحصولِ الشرائط، يستحيل تخلُّفُ الرؤية. فلو كان للجنّ أو الشيطان حقيقةٌ، لكان إِذا حضر عندنا، رأيناه. وبهذا احتّجوا على عدم جواز رؤية الله سبحانه؛ وإِلاّ لرأيناه الآن، إِذ هو سبحانه لا يحجُبه شيءٌ. وبالغوا في التشنيع؛ حتى قالوا: "لو جاز تخلُّفُ الرؤية مع ما ذكرناه، لجاز أن يكون بحضرتنا فيَلةٌ وجواميس، بل جبالٌ، ونحن لا نراها. والعقل يأبى ذلك، ويُقبح دعواه".
وذلك منهم فاسدٌ. أمّا أوّلًا، فلقوله تعالى: {فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون}. فأثبت أنّ في الموجودات ما لا يّرى، كالهواء؛ فجاز أنّ الشيطانَ مثله. وقد ذكر العلماء أنّه في الملائكة. وإِن وصلنا معهم إِلى هذا، ناظرناهم في إِثبات النبوّة، بل في أصل التوحيد؛ لأنّ ما ذكروه قادحٌ فيهما. فإنّ الأمّة أجمعت، روايةً وقبولًا، على أنّه عليه السلام أخبر أنّ شيطانًا تَفَلَّتَ عليه ليقطع صلاته، وأنّه لولا دعوة