سليمان، {رب هب لى ملكا لا ينبغى لأحد من بعدى}، لربطته إِلى بعض سواري المسجد، حتى يصبح ولدان المدينة يلعبون به. وإِنّه عليه السلام اجتمع بجنّ نصيبين، وآمنوا به، وقرأ عليهم القرآن، ثمّ ولّوا إِلى قومهم منذِرين. ولهم سورةٌ مستقلّةٌ في القرآن.
فإِذن، الأمر دائرٌ بين صِدق الرسول، أو صِدق المعتزلة. فيكون الرسولُ قد وضَع القرآنَ وأخبر بما لا كان. وذلك عين الزندقة والكفران. نعوذ بالله من الخذلان.
وقد ذكر ابن حزمٍ الظاهريّ، في كتاب تقريب المنطق، أنّ الهواء ونحوه مّما لا يُرى لم يَحمل العرّضَ، فلذلك لم يُرَ. وعدمُ حملِ العرضِ لا يَستلزِم نفيَ التركيبِ.
وأمّا ثانيًا، فلأنهم إِنما أحالوا تخلُّف الرؤيةِ عن حصول شرائطها وارتفاع موانعها؛ فمن أين لهم ذلك في رؤية الشيطان؟ فلعلّه تخلَّف شرطٌ، أو وُجِد مانعٌ، ككونه في غاية اللطافة، أو غير حاملٍ للعَرض، أو غير ذلك؛ بخلاف ما يشنِّعون به من الفيلة ونحوها.
قلتُ: هذا هو المشهور عن المعتزلة في كتب الأصوليّين الناقلين عنهم. أمّا القاضي عبد الجبار، في طبقات المعتزلة، فإِنّه أثبت الشيطانَ ووسوسته؛ ووجَّهها بأنّه، للطافته ولطف بُنيِته، يتمكّن مّما لا يتمكن منه بعضنا من بعضٍ. وفرّق بين شياطين الإِنس والجنّ، بأنّ شياطين الجنّ لا يمكنهم الدعاءُ إِلى المعصية جهرًا، بل خفيةً بالوسوسة، بخلاف الآخرين. فلعلّ النافيَ للشياطين بعضُ المعتزلة. فيصحّ الثقلان.