بحسب مواد المآخذ.

وأمّا الواسطة، فكمسائل العقائد التي وَقَع النزاعُ فيها بين الأمّة مِن العلم المسمَّى بأصول الدين فإِن أدلّته لَمَّا تردَّدَت بين القطع والظنِّ، تردد هو بين القطعيّ والظنيّ بالضرورة؛ فوقع النزاعُ فيه، وعظُم الخلافُ. وقد بيّنّا أنّ كلّ واسطةٍ وقَعت بين طرفين أَخَذت شبَهًا منهما؛ فجاذباها بحُكمِ الشَّبهِ بينهما. فالفقهاء ونحوها يُلحِقونها بالقسم الأوّل القطعيّ. ومَن أنعَم فيها، رآها بالقسم الثاني الظنيّ أشبه، وإِلحاقها به أولى، وإِن ارتفعت عنه شيئًا. ويُعنى "بالدليل القاطع" ما لم يُعارِضه ما يَقدح في النفس احتمالُ خلافه احتمالًا معتَبرًا؛ و "غير القاطع" يقابله.

فعلى هذا، القسم الأوّل قاطعٌ؛ لأنّه لم يُعارَِضه إِلاّ شُبه منكِري الصانعِ ووحدانيّته، ومنكِري النبوّات. وهي كالشُّبه الواردة على العاديّات؛ كاحتمال انقلاب الجبال ذهبًا، والبحر خمرًا ولبنًا؛ وليس ذلك معتَبرًا.

والقسم الثاني من الفروعيّات غير قاطعٍ؛ لأنّ المعارِض قد يكون مِثلَه وأقوى منه؛ كأدلّة المذاهب وغيرها في الفقه.

والقسم الثالث الذي نحن فيه هو بغير القاطع أشبهُ. مثاله في مسألة القدَر أنّا قد بيّنّا تعارُض آى الكتاب فيه ظاهرًا بما استقرأناه منها. وأدلّة العقل فيه أشد تعارضًا. والعقول إِلى ما في جانب المعتزلة منها أميَل؛ والنفوس لها أَقبَل. حتى قد بيّنّا أنّ تحارير المتكلّمين، إِذا انحصروا فيها، لجؤوا إِلى قوله تعالى: {لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون}؛ وتُسمّيها أهلُ السنّة "آية الدبّوس". وإِن كان ذلك في نفسِ الأمرِ حقًّا، كما بيّنّاه، إِلاّ إِنّ مسألةً يكون فيها مِثلُ هذه الشُّبهِ الباهرِة نقلًا وعقلًا لا يليق بعاقلٍ أن يجعلها مِن القطعيّات. وعلى هذا القياس مسألة الحرف والصوت؛ فإِنّ النظر فيها متردِّدٌ جدًّا؛ ولا نصُّ قاطعٌ فيها. أمّا مسألة الجهة، فهي إِلى القطعيّات أقربُ؛ بل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015