الثاني: أنّ العدل عندهم ما حَسُن في العقل، والجور ما قَبُح فيه، بناءً على التحسين والتقبيح، وأنّه يحسُن ويقبُح من الله ما حَسُن وقَبُح منًا. وعندنا، العدل ما ورد الشرعُ بإِثباته؛ والجور ما ورد بنفيه. وحظّ العقلِ عندنا فَهم الخطابِ، لا التحكم على رب الأربابِ.
الثالث: أنّ الطاعة عندهم موافَقة الإِرادةِ، بناء على أنّ الإِرادة شرطٌ في كون الصيغة أمرًا. وعندنا، الطاعة موافَقة الأمرِ. وهو راجحٌ إِلى المأخذ الأوّل.
وحكى الإِمامُ فخر الدين في شرح الأسماء الحسنى أنّ القاضي عبد الجبّار الهَمَذانيّ رئيس المعتزلة دخل على الأستاذ أبي إِسحق الإسفرائينيّ، وهو في دار الصاحب بن عبّادٍ. فقال القاضي، معرِّضًا بالأستاذ: "سبحان مِن تَنزَّه عن الفحشاء! " فقال أبو إِسحق: "سبحان مَن لا يَجري في مُلكِه إِلا ما يشاءُ! "
قلتُ: أشار عبد الجبّار إِلى قوله تعالى: {إِن الله لا يأمر بالفحشاء}. وعنده، الإِرادة شرطٌ في الأمر؛ فلا جرم لزِم على رأيه أنّ الله يُنَزَّه على الفحشاء أمرًا وإِرادةً. وأشار أبو إِسحق إِلى قوله، {فعال لما يريد}، ونظائِرها، على ما قرّرناه في سورة البروج. فقد جَمع هذان الرئيسان عُمدةَ الطائفتين في كلمتيهما. إِلاّ إِنّ كلمة عبد الجبار جُبَارٌ، وعلى شفا جُرفٍ هَارٍ؛ لأنّه مُنازعٌ في أنّ الإِرادة شرطٌ للأمر، وفي أنّ الله إِذا نهى عمّا يريد وقوعَه، أو أمَر بما لا يريد وقوعَه، جائزٌ؛ سبحانه وتعالى عمّا يقولون علوًّا كبيرًا. وقد سبق تقريرُ ذلك.