ووجه إِضلالهم وهداية غيرهم أنّ الله سبحانه أَلهمهم الشبهةَ المذكورة بسبب الأمثال المضروبة، وضَلّوا، وعَضَم منها الآخَرين، فلم يَضِلّوا، فاهتدوا؛ إِذ لا واسطة بين الضلال والهدى.
ومنها قوله: {إنى جاعل في الأرض خليفة}. ووجه الاستدلال بها ما سبق، من [أنّ] الله تعالى خلق آدم ليكون خليفةً في الأرض على الوجه الذي أهبط به إِليها، وهو المعصية. فقد تعلَّق علمُه بها قبل خلقِه. وخلاف ما تَعلَّق علِمه، قد بيّنّا أنّه غير مقدورٍ. فما تعلَّق به علمُه يكون واجب الوقوع. وبذلك احتَجّ آدمُ على موسى.
ومنها قوله: {وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئونى}، الآية، إِلى قوله: {قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا}. وجه الاستدلال؛ ثم وَبَخَهم بقوله: {ألم أقل لكم أني أعلم غيب السموات والأرض}. فكذلك، يجوز أن يَضطَرّ العبدَ إِلى فِعلِ ما يَذمّه ويُوبِّخه عليه. ولا فرق بينهما في الحقيقة؛ إِلاّ أن يقال: "إِنّ فِعل اللهِ سبحانه مع الملائكة يَحسُن فِعلُه في الشاهد؛ بخلاف فِعله مع العبد، على زعكم" لكنّ جوابه من وجهين. أحدهما منعُ جوازِ السؤال تعجيزًا في الشاهد. لأنّه عنتٌ؛ والعقل والشرع يُقبحانه. فقد جاء في الحديث، "إِياكم وأعلُوطات المسائل"؛ وهي المسائل الصعبة. ولذلك، كلّ عاقلٍ، إِذا سُئل سؤالَ امتحانٍ، يجِد في نفسه لذلك؛ لإِشعار السؤال باستجهال السائلِ له واستقصائه عن معرفته. إِلاّ إِنّه قد يقال: "إِنّ سؤال التعجيز في مِثل قضيّة الملائكة يجوز، بل يحسُن، بل ربّمما وَجَب قياس قولِ المعتزلة في رعاية الأصلح؛ لأنّه خَرَج مخرجَ التأديبِ لهم عن تعاطي الإِنكار فيما لا عِلم لهم به". الوجه الثاني أنّ الفرق المذكور اجعٌ إِلى التحسين والتقبيح وقياس الغائب على الشاهد؛ وهما