حقّه، وجب أن يجوز الآخرُ؛ إِذ حُكم المثلين واحدٌ. وقد سبق هذا البحثُ. وإِن لم يكن قادرًا على إِنقاذهم منها، لزم أن يكون عاجزًا عمّا فعلوه هم بأنفسهم، وساعد عليه الشيطانُ؛ فيكونون أقدر منه. وحينئذ، لا يُؤمَن أن يكون الشياطين وبعض الكفّار قد اتّفقوا على أن غَلَبُوا على ملكوت السماوات والأرض، فصاروا آلهةً، أو على الأرض فقط، وعَزَلوا البارئَ عن الإِلهيّة فيها، تعالى الله عن ذلك.

ومنها قوله: {فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين}. والخصم زعم أنّ الإِنسان يهدي نفسَه ويُضِلّها؛ فما بالهم لم يكونوا مهتدين؟ وإِنما ذلك عندنا لأنّ الله لم يَهدهم الهُدى المصاحَب بخَفير التوفيق. أمّا الإِرشاد المجرَّد، فقد حصل.

ومنها قوله: {ذهب الله بنورهم}. وليس الضمير راجعًا إِلى الممثًَّل به، وهو المستوقِد للنار. بل إِمّا إِلى صاحب المَثَل، وهم المنافقون، ذهب اللهُ بهدايتهم؛ أو إِليهم وإِلى المستوقِد على جهة المزج والاستخدام، كما قرّرناه في التفسير. وإِذا جاز أن يَذهب بهدايتهم، فما المانع من أن يأتي بضلالتهم؟ وهذا على تقدير أنّ ذهابه بنورهم، وهو الهُدى والإِيمان، في الدنيا. أمّا إِن أُريد به في الآخرة، فلا تكون هذه الآية ممّا نحن فيه.

ومنها قوله: {وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا}. ثمّ قال الله تعالى: {يضل به كثيرا ويهدى به كثير}. فصرّح بإِضافة الإِضلال والهدى إِليه. والجواب عن قولهم، "إِنما أضلّهم بعد فِسقِهم، بدليل باقى الآية"، قد سبق. وكان سبب الآية [أنّ] الكّفارُ: "الله أَجَلّ مِن أن يَذكُر هذه الحشرات الخسيسة؛ وإِنما هذا من كلام محمّدٍ. فأنزل الله سبحانه: {إِن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها}.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015