و "الأخذ"، في قوله: {قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم}، موانع تمنع مَن قامت به من الإِيمان بإِرادة الله وتقديره وخلقه.
واعلم أنّ ها هنا تنبيهًا ليس مِن مُهمّات ما نحن فيه؛ لكنّه متعلِّقٌ بالآيات المذكورة. وهو أنّ آية النحل شَرَكَت بين القلوب والسمع والإِبصار في الطبع؛ وهو وبمعنى الختم وآية الجاثية خَصَّت الغشاوةَ بالبصر. وآية البقرة هذه هو فيها متردِّدٌ بين أنّه مختومٌ عليه، أو عليه غشاوةٌ. والأوّل أظهَرُ لفظًا. وبدليل باقي الآيات، واختلاف ألفاظِ هذه الآي في الحائل دون القلب والسمع، يقوي الاحتمال الثاني، وأنّ ذلك مجازٌ.
وقال بعض الفضلاء: "القلوب والأسماع مجوَّفةٌ. فالختم بها أشبَه. والأبصار بارزةٌ والإِدراك بظاهرها. فكان الغشاء بها أليَق". وهذا بناءٌ على أنّ ذلك حقيقةٌ، أو بيانٌ لمناسبة الاستعارة.
ومنها قوله تعالى: {فى قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا}. "المرض" إِمّا الشكّ أو الضلال عن الهداية. وقد أخبر أنّه زادهم إِيّاه، مضافًا إِلى ما في قلوبهم منه. وهو كقوله: {فزادتهم رجسا إِلى رجسهم}. وإِذا جاز أن تكون الزيادةُ منه، جاز أن يكون الأصل منه. وجميع ذلك إِنما خو بخلقِ الدواعي وإِقامة الشبهات والصوارف. وقد أَجَبنا عن قولهم، "إِنما الزيادة منه عقوبةٌ على أصل المرض الذي في قلوبهم".
ومنها قوله سبحانه: {الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون}. و {يمدهم}، أي "يملى لهم". {فى طغيانهم}، أي غُلُوِّهم في الكفر. {يعمهون}: يَتردّدون في الضلالة ويَتَحيّرون. والعمه في القلب كالعمى في البصر. فيقال للخصم: إِمّا أن يكون الله قادرًا على إِنقاذهم من الحيرة، بكشف شبهتهم واللبس عنهم، أو لا.
فإِن كان قادرًا، فلِم لم يفعل، وهو من المصالح الواجبة عليه؟ فكما جاز أن لا يُنقذهم منها، جاز أن يُوقِعهم فيها ابتداءً؛ إِذ كلا لأمرين قبيحٌ شاهدًا. فإِذا جاز أحدهما في