القبيحِ؛ لأنّه يَذمّهم على مجرَّد تسميتِه لهم بذلك؛ وورود الختمِ والطبعِ في سياق الذمّ ظاهرٌ.
وقال بعضهم: " هي سماتٌ وعلاماتٌ يجعلها اللهُ على قلوب الكفّار". وهو باطلٌ؛ لأنّ شأن السِّمة والعلامة أن تَدُلّ على الشيء، لا أنها تمنعه وتَصرِفه عمّا ينبغي له. والله سبحانه ذكرها في معرض ذلكّ بدليل قوله، {أكنة أن يفقهوه}؛ أي "يمنعهم مِن أن يفقهوه"، أو "لئلا يَفقهوه".
وقال بعضهم: "الختم والطبع عقوبةٌ من الله، يجازي بها أهلَ المعاصي. وهي إنما تُضادّ الإخلاصَ، لا الإِيمان؛ فيصِحّ اجتماعُه معها" وهو باطلٌ؛ لأنّ الله سبحانه لم يَذكُرها إِلاّ في حقّ الكفّارِ. ولعلّهم أَخَذوا ذلك من نحو قوله تعالى: {بل طبع الله عليها بكفرهم}؛ أي "بسبب كفرهم"؛ فدلّ على أنها عقوبةٌ على المعصية. لكنّا قد بيّنّا بطلانَ العقوبةِ على الذنب بذنبٍ مثله، أو بما يُفضي إِلى مثله، فيما سبق، بيانًا شافيًا. والباء في الآية، وإِن كانت ظاهرةً في السببيّة، إِلاّ إِنها مُؤولةٌ عند العلماء على الحاليّة؛ أي "طَبع اللهُ على قلوبهم متلبِّسين بكفرِهم"، أي حالَ كفرهم". ويفيد ذلك تَقَيُّدَ الطبع بحال كفرهم، ولا طبْع عليها حال إِيمانهم.
والتحقيق في الباب أنّ "الختم" و"الطبع" و"الوَسمَ" متقاربةٌ في المعنى، وهي الاستيثاق على الجسم المجوَّف بالسدّ ونحوه، لئلاّ يَدخله شيءٌ؛ كختم الكيسِ والإِناءِ ونحوه. فالختم على القلب يحتمل أنّه حقيقةٌ، بأن يَكون، كما قيل، شكلًا صنوبريًا مجوّفًا، يَعقل الأشياءَ بانطباعها فيه، كانطباع الأِشياء المحسوسة في الحواسّ، كالمبصَرت في جليديّة العين، ونحوها، إِن قلنا إِنّ العقل في القلب؛ أو بواسطة فيضِ نورِه عليه من الدماغ، على ما مّر في ذلك. فيمنع اللهُ سبحانه دخولَ المعقولاتِ وانطباعَها فيه بشيءٍ محسوسٍ يُغطّيه. كما قيل، "إِنّ للقلب غَيايَة القمر، إِذا تَغًشَّته بشيءٍ ما سمع، وإِذا تجلَّت عنه ذكر". و"الغيايَة"، بعينٍ معجَمةٍ، ويائين آخر الحروفِ: السحابة. وقال مجاهدٌ: "القلب كالكفّ، يُقبَض منه بكلّ ذنْبٍ أصبعٌ، ثمّ يُطبَع".