له؛ نحو "ثوبِ من خزٍّ"، و "خاتمٍ مِن حديد"، و "بابٍ مِن خشبٍ". وليس بين العبيد والربّ اتّصالٌ بعمومٍ ولا خصوصٍ. وبهذا ضَعُفَ قولُ مَن زعمن أنّ "مِن" في قوله: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان}، جنسيّةٌ؛ لأنّ الأوثان ليست أعمّ مِن الرجس، ولا جنسًا له. بل هي لابتداء الغاية، كهذه التي نحن فيها؛ أي "الرجس الحاصل، أو الناشئ، مِن الأوثان". وإِذا ثبت أنّ الرب سبحانه مبدأُ الهدى، فما ذلك إِلاّ لأنّه خالقه وموجِده.
ومنها يقوله سبحانه: {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة}. ونظريها في النحل، {أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم}، وفي الجاثية، {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصر غشاوة فمن يهديه من بعد الله}. قلتُ: "الختم" و "الطبع" و"الرَّين"، في قوله تعالى: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}، أي "غطّى عليها"، هي عندنا أعراضٌ يخلقها اللهُ في قلوب الأشقياء، يمنَعهم بها من الإِيمان، بالإِعراض والصرفِ عن النظر في آياته وتدُّبر علاماته. ومن هذا الباب، "الأكِنّة"، في قوله: {وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه}.
أمّا المعتزلة والقدريَة، فزعمَ أنّ الختم والطبع مجرَّد تسميةِ الله العبدَ "كافرًا" و "ضالًا" و "مختومًا، أو مطبوعًا، على قلبه". وهو فاسدٌ، لوجهين. أحدها أنّ الله سبحانه ذكر ذلك في معرضِ التَّضرُف فيهم بما يَصرِفهم عن الإيمان؛ ومجرَّد التسميةِ لا تُؤثر في ذلك. الثاني أنّا نحن قادرون على تسميةِ الكافر "كافرًا"، ولسنا قادرين على الختم والطبع على قلبه؛ دَلَّ ذلك على تغايرهما. وأيضًا، لو صحّ ما ذكروه، لكان أقبح