تَعَلَّق بعدم الوقوع. وإِنما يَتَحقَّق عدمُ مطابَقةِ العلم في الواقع بتقدير وقوع الطاعات منهم؛ ولكنّها لم تقع"؛ قلنا: حاصل ما ذكرتم أنها لم تقع منهم، مع جواز أن تقع وحينئذٍ، صارت الطاعاتُ منهم مِن المحالات العاديّة، والمعاصى مِن الواجبات العاديّة. ويحصُل المقصودُ؛ إِذ لا فرق في حقيقة الوجوب والاستحالة بين أن يكون بالذات أو بالعدة. وإِنما الفرق بينهما في أمرٍ خارجٍ عن حقيقة الوجوب والاستحالة؛ وهو أنّ المحال لذاته يَلزَم مِن فرضِ وقوعِه محالٌ لذاته؛ والمحال عادةً لا يَلزَم مِن فرضِ وقوعه محالٌ لذاته. وهذا أمرٌ وراء حقيقة المحالأ. فحينئذٍ، تَعَلُّقُ عِلمِ اللهِ سبحانه بوجود المعاصي منهم استَلزَمَ أن تكون الطاعاتُ محالًا منهم في العادة؛ فتكون المعاصى واجبةً منهم في العادة. وليس ذلك إِلاّ بانضمام تأثير القدرة إِلى تَعَلُّقِ العلم؛ إِذ العالم نفسه لا تأثير له في المعلومات. والله أعلم.
قوله، في قوله تعالى: {ولو شاء ربك لامن من في الأرض}؛ {ولوشاء الله لجمعهم على الهدى}، "إِنّ المرادَ بذلك إِظهار قدرته على ما يريد، كقوله: {لإن نشأ نخسف بهم الأرض}، {ولو نشاء لمسخناهم}، {ولو شئنا لبعثنا في كل قريةٍ نذيرا}؛ إنما دَلّ رسوله بذلك على قدرته؛ وذلك غير الذي شاءه منهم". قلتُ: يريد بهذا أنّ قوله، {ولو شاء الله لجمعهم على الهدى}، ونحوه من آيات المشيئة في هذا الباب، إِنما المراد به بيان أنّه قادرٌ على جمعهِم على الهُدى؛ لأنّه مَنَعَهم من الهُدى.
واعلم أنّ هذا تأويلٌ ساقطٌ. أمّا أوّلاً، فلأنّه عليه السلام وغيره من المؤمنين لم يكونوا في شكِّ من قدرةالله على كلّ شيء. وقد صَرَّح اللهُ سبحانه لهم بذلك بما هو صريحٌ في إفادته؛ فقال في غير موضعٍ من القرآن: {إن الله على كل شيء قدير}. فأيّ حاجةٍ كانت لهم إِلى تعريفهم قدرتَه بألفاظٍ محتمَلةٍ؟ فإِن قيل: "النصوصيّة على هذا المقدور