المعيَّن، وهو هداية الكفّار وجمعُهم على الهُدى؛ وذلك أقوى من استفادته من عموم {إن الله على كل شيء قدير}؛ قلنا: فكان يجب أن يَنُصّ لهم بصريحٍ لا يحتمِل غيرَ ذلك. ونحن سنبيِّن أنّ اللفط مجملٌ في معنييه، أو أنّه فيما نَدَعيه أظهر. ثمّ إِنّا قد بَيّنّا قَبلُ أنّ قوله: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة}، {لآمن من في الأرض}، ونحوه، في سياقٍ لا يحتمِل ما ذكرتموه. إِنما هو للتخفيف عن قلبِ النبي عليه السلام، بأنّ الله تعالى قَدَّر الخلافَ، مِن كُفرٍ وإِيمانٍ، وقَضى به. ثمّ نقول: إِذا كان المرادُ بيانَ قدرته على هدايتهم، فهلاّ هداهم، لأنّ ذلك أصلح لهم، وأنتم توجِبون عليه رعايةَ الأصلحِ لخلقِه! وحينئذٍ، أحدُ الأمرين لازمٌ لكم مِن الآية: إِمّا كونه مَنَعَهم الهُدى ومَنَحَهم الضلالَ، وهو يُبطِل أصلَكم في القدر؛ أو تَركُه رعايةَ الأصلحِ لهم، وهو يَنقُض رأيَكم في رعاية المصالح. وإِن كان لكم مِن هذا الإِشكال مَخلَصٌ، فانفُذوا، ولا تَنفُذون إِلاّ بسلطانٍ.

أمّا مقتضَى قوله، {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض}، في اللغة، فهو امتناعُ الإِيمان لامتناعِ مشيئةِ اللهِ له. فدَلَّت هذه الآيةُ على أنَ مَن لا يشاء اللهُ إِيمانَه لا يؤمِن. ودَلَّت بمفهومِها ومنطوقِ قوله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يؤد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا}، على أنّ مَن شاء إِيمانَه آمَنَ. وقد جمَع بين الأمرين في قوله: {من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا}. وحينئذٍ، قد دار الضلالُ والهُدى مع مشيئته وجودًا وعدمًا. فذاك إِمّا أن يقتضي أنها مع القدرةِ مؤثرةٌ في وجود الضلال، أو غير مؤثِّرةٍ، أو موثرةٌ مع قدرة الآدمي وإرادته. والأوّل تسليمٌ لقولنا. والثاني يُبطل استدلالكم المتقدِّم على أنّ العبد موجِدٌ لأفعاله، تَدُورُ بها مع قصدِه وإِرادتِه وجودًا وعدمًا؛ وهو ما زَعمتُموه ضروريًا. والثالث يقتضي وقوعَ المقدورِ بين قادرَين؛ وأنتم لا تقولون به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015