ويجعله شيطانًا رجيمًا! كيف يقول: {فما يكون لك أن تتكبر فيها}! وكيف يُحَذِّر آدمَ عدواتَه، لتقوم عليه الحجّةُ، إِن كان الأمرُ مفروغًا منه، كما يقولون! " قلتُ: قد سبق جوابُ مِثلِ هذا. وأمّا إِبليس، فقد بَيّنّا أنّ الله لعلّه عَلِم أنّه لو تَرَكَه واختيارَه، لعَصَى فرَجَّح جانبَ القسرِ الكونيّ الباطِن إِقامةً لرسمِ القدرة، وتنزُّهًا عن مشارِكٍ في الخلقِ. ويكون حاكمًا فيه وفي غيره بعلمِه في نفس الأمرِ. وهو الذي خَلَقَ فيه داعي الكبرِ والامتناعِ من السجود وسؤال النظرة إِلى يوم يُبعَثون؛ بدليل قوله: {رب بما أغويتني}. ولا شكّ أنّ الأمر مفروغٌ منه في سر القدرة، غير مفروغٍ منه في ظاهر الصورة.
قوله، "والله سبحانه لم يَخْفَ عليه بقضائه شيءٌ، ولم يَزدَدْ علمًا بالتجربة؛ بل هو عالمٌ بما كان وما لم يكن"، إِلى آخِر كلامِه. قلنا: هذا اعترافٌ بما نقول.
قوله، "والعلم ليس بدافعٍ لهم إِلى معاصيه؛ لأنّ العلم غير العمل؛ فتبارَكَ اللهُ أحسن الخالقين". قلنا: لا نُسَلَّم أنّ العلم ليس بدافعِ لهم إِلى المعاصي. لِمَا بَيّنّا من أنّ العلم إِذا تَعَلَّق بعدم الطاعة، صارت غيرَ مقدورةٍ، والتكليف بها محالًا، وصارت المعاصي منهم واجبةً لغيرها، كما سبق تقريرُه. وليس ذلك إِلاّ بتقدير الله سبحانه؛ وبه احتَجَّ آدمُ على موسى.
وأيضًا، لو تُرِكوا على اختيارهم في نفس الأمر، مع تَعَلُّقِ عِلمِ الله بصدور المعاصي منهم في الأزل، لكانوا عند وجودهم إِمّا أن لا يجوز عُدُولهم إِلى الطاعات؛ فتكون المعاصي منهم واجبةَ الوقوع، وهو المطلوب؛ أو يجوز؛ فيَلزَم انقلابُ العلمِ الأزلىّ جهلًا لعدم مطابَقته للواقع.
فإِن قيل: "لا يجوز عدولهم إِلى الطاعات؛ والعلم الأزلىّ لم يَتَعلَّق بعدم الجواز؛ إِنما