عليها}، وقوله: {فطركم أول مرة}، وقوله: {إلا من حرم ... ولذلك خلقهم}! فإِذا خلقهم لذلك، فكيف يَصحّ أنْ لا يجعل لهم سبيلًا، ويَقسرهم على السعادة والشقاء، على ما يَذكرون! " قلتُ: هذا السؤال فيه تخبيطٌ وتخليطٌ. وذلك لأنّ المفسِّرين اختَلَفوا في قوله تعالى: {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم}. فرَوى عبدُ الرزّاق، عن مَعمَرٍ، عن قتادة، أنّ معناه "للرحمة خَلَقَهم". وروَى ابن التيميّ، عن جعفرٍ، عن عِكرمة، عن ابن عباسٍ، قال: "ولا يزالون مختلِفين، إِلاّ أهل رحمته، فإِنهم لا يختلِفون، ولذلك خَلَقَهم". وروى جعفر بن سليمان، عن عمرو بن عبيدٍ، عن الحَسَن، قال: "للاختلاف خَلَقَهم".
قلتُ: فانظر إِلى هذا الخبطِ. عمرو بن عبيدٍ، رئيس المعتزلة، وأشدّهم في الاعتزال، يَروى عن الحسن الذي ادَّعوه منهم، ونَسَبوا إِليه هذه الرسالة؛ يقثول: "إِنّه خَلَقَهم للاختلاف: . وإِذا كان للاختلاف خَلَقَهم للاختلاف". وإِذا كان للاختلاف خَلَقَهم، فالاختلاف ليس إِلاّ كُفرًا وإِيمانًا. فحينئذٍ، قد خَلَقَ الكافرَ للكفر، والمؤمنَ للإِيمان. وهذا هو الذي نقوله، والذي يليق بعقلِ الحَسَن، وما اشتُهر مِن مذهبه في السنّة. واتَّضح أنّ الرسالة موضوعةٌ عليه، منسوبةٌ إِليه.
وقال بعضُ المفسرين: "ولذلك"، أي للرحمة والاختلاف، "خَلَقَهم جميعًا" بين القولين. وهو حَسًنٌ جيدٌ مطابقٌ. غير أنّ الاختلاف واقعٌ بالنسبة إِلى المجموع بين المجموع، والرحمة واقِعةٌ بالنسبة إِلى المجموع لبعض المجموع، كما يقال: "خَلَقَ ذريّةَ آدم للجهاد"؛ وإِنما هو بالرجال؛ وهم بعض مجموعِ الذرّيّة. أو يكون بالنسبة إِلى الرحمة عامًّا مخصوصًا.
وأمّا توجيه القولين الأوّلين، فمَن قال: "للرحمة خَلَقَهم"، قال: "لأنها أقرب