المذكورَين؛ فجُعِلت الإِشارة إِليها"؛ واعتبار القربِ موجودٌ في لغة العرب، كما في تَنازُعِ العامِلَين. وتَعارَضَ هذا بمذهب الكوفيّين في إِعمال الأوّل. ومَن قال: "للاختلاف خَلَقَهم"، احتَجَّ بوجهين. أحدهما أنّ اللفظ بتقديره يَكُون على عمومِه؛ لمِا عُرِف مِن أنّ الاختلاف عام لجميع الناس؛ بخلاف الرحمة، لأنها لبعضهم قليلٍ منهم. الثاني أن اللفظ المُشار به، وهو قوله: "ولذلك"، مكتَنَفٌ بالخلاف قَبلَه وبَعدَه. أمّا قَبلَه، فقوله، {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين}. وأمّا بَعدَه، فقوله، {وتمت كلمة ربك لأملان جهنهم من الجنة والناس أجمعين}. وهذا خلافٌ في المال، حيث كان فريقٌ محكومًا عليه بالتكفير. وهذان الوجهان أقوى من مناسَبة اعتبارِ القرب، مع كنها معارَضة بما ذَكَرَه. وأيضًا، فإِنّه سبحانه في سياق تخفيفِ هم النبي عليه السلام اللاحق له بسبب اختلاف الناس عليه، فبَيَّن له أنّه خَلَقَهم للاختلاف؛ فلا يَستطيع أن يجمَعهم على مقالةٍ واحدةٍ، كما قال له، {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين وما كان نلفس أن تؤمن إلا بإذن الله}، الآية. وكقوله: {وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت}، إِلى قوله: {ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين}.
وقد شَهِدَت هذه الآيةُ بجهلِ المعتزلة وأتباعهم؛ لأنّ الله سبحانه أخبر بأنّ المانع مِن جمعِ الناسِ على الهُدى هو كونه لم يُرِد ذلك؛ وسَمَّى مّن أَنكَر ذلك "جاهلًا". وهم يُنكِرونه، ويَقولون: "إِنما المانع لاجتماعهم على الهُدى إِرادةُ الضالّين منهم، وخَلْقُهم الضلالَ في أنفسهم". ولو لم يكن على المعتزلة إِلاّ هذه الحجّة، لكانت لهم قامِعةً، ولترّهاتهم قاطِعةً.