الحجّة عليهم. وأمّا من حيث لا يَلزَمهم ظاهرًا، لم يعاتِبهم؛ لأنّه سرُّ انفَرَد به، وتَصرُّفٌ كوني لا يُشارَك فيه.
قوله، "وكيف يقول: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض}، وهو الذي حال بينهم وبين الطاعة! " قلنا: سبق جوابُه غير مرّةٍ.
قوله، "وإِذا كان الأمر مفروغًا منه، فكيف يقول: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج}! وكيف ابتلى العبادَ، فعاقَبَهم على فِعلِهم! " قلنا: الأمر مفروغٌ منه مِن حيث التكوين، أو من حيث التكليف؟ الأوّل مُسَلَّمٌ؛ لكنّه لا يُنافي المعاتَبةَ والمعاقَبة على مخالَفة التكليف؛ لأنّا بَيّنّا أنّ التكليف والتكوين أمران متَفاضِلان متفاكّان مِن أحد الطرَفين، بالنسبة إِلى كلّ واحدٍ مِن الله والعبد. فالله سبحانه يُكَوِّن ما لا يُكَلَِفه، كالجمادات والبهائم. والعبد يُكلِّف ما لا يُكونَِه، كغُلامه. وأمّا بالنسبة إِلى الله والعبد، فهما متفاكّان مِن الطرفين. فالله يُكَوِّن ما لا يُكلَِف؛ والعيد يُكَلِّف ما لا يَكَون وإِذا كان التكوين والتكليف حقيقتين متفاكَّتين، فلا تَعَلُّق لإِحداهما بالأخرى؛ والفراغ من إِحدامهما لا يَستلزِم الفراغَ مِن الأخرى. هذا أمرٌ معقولٌ عند ذوي العقول.
بقَيِت شبهتُهم الفاسدة، "وإِنّ ذلك جَورٌ"؛ وقد سبق الجوابُ عنها بأنها قياسٌ فاسدٌ، للفرق بين أصله وفرعه، بما فيه كفايةٌ.
قوله، "وكيف يقول: {إنا هدناه السبيل إِما شاكرا وإِما كفورا}! وكيف يقول: {قدر فهدى}، ولم يقل: "فأَضَلّ"! "قلنا: كما سبق جوابه.
قوله، "وكيف يَصِحّ أنّه خَلَقهم للرحمة والعبادة، لقوله، {فطرت الله التي فطر الناس