بالنظر إِلى تَصرُّفه الكونيّ التامّ فيهم؛ ويُنكر عليهم ويُقيِم الشناعات عليهم بالنظرِ إِلى تَصرُّفه التكليفيّ. ثمّ كيف [يُنكِرُ] عاقلٌ أنّه حَمَلَهم على ذلك بالقضاء والقدر، وهو يَبعَث إِلى النصارى عيسى مِن غير أن يحيي الموتى، ويُبرِئ الأكمهَ والأبرصَ، ويَنفخ في فُخّارٍ جمادٍ، فيطير، ويمشي على الماء، ويزجر الريح العاصف فيسكن، ويَضرِب برجله الأرضَ فتتفجّر عيونها وتظهر كنوزها، وعلى أي قبرٍ مَرَّ ضَرَبَه بعصاه، فقام صاحبُه يخبِره سالِفًا أو آنِفا، ويقول لهم مع ذلك كلّه: "أَرسَلني أبي"، و "كنت عند أبي"، و"أمشى إِلى أبي". وهل يَثبُت على هذا عقلٌ إِلاّ بعصمة الله! ولولا أنّ الله أَرسل محمّدًا صلّى الله عليه وسلم، فكَشَف شبهةَ التثنية والتثليث، بما جاء به من التوحيد، لكان الناس كلّهم يَدعون لله ولدًا أو شريكًا، سبحانه وتعالى عن ذلك.

والدليل على هذا أنّ العرب، مع حِكمتهم ووفور أحلامهم إِلى زمنِ البعثة، لم يَزالوا يَتهافتوت على التَنَصُّرِ. وكان ذلك مشهورًا في غسّان وتَنُوخ وفِهرٍ وتغلب؛ وأحكامهم موجودةٌ في الإِسلام. ولَمَّا أراد عمر ضَربَ الجزيةِ على تغلب، أَنِفُوا منها، وأَذعنوا للزكاة. وخِيفَ من شكوتهم؛ فأُخِذَت الزكاةُ منهم ضعفب ما يؤخذ من المسلمين. فقال عمر: "ما رَأيتُ أجهل من هؤلاء؛ رَضوا المعنى، ونازعوا في الاسم". ونحن لا نعنى بأنّ الله حملهم عليه إِلاّ هذا، وهو خالق الدواعي الباطنة بتحريك الأسباب الظاهرة.

قوله، "وما معنى قوله، {فما لهم لا يؤمنون}، وقد مَنَهم؟ " قلنا: معناه ما سبق غيرَ مرّةٍ.

قوله، "وكيف يقول: {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله}؟ وكان يجب أن يقول: "ما كان لهم أن يَعلموا بما قَضَيتُ عليهم". قلنا:

لأنّه محالٌ أن لا يَعلموا بما قَضَى عليهم، لوجوبه منهم. والحجّة لا تَقوم علهيم من حيث القضاء والقدر. إِنما تَقوم عليهم من حيث التكليف. فعاتَبَهم من حيث تَقُوم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015