يكون عَلِمَ استواءَ حالتهم في الاختيار وعدمه، فرَجَّحَ خلقَ الأفعالِ فيهم، لما سبق تقريره؟ واحتمال هذا ممّا لا يمكن القطعُ بنفيه. وحينئذٍ، لا يمكنك القطعُ بصحّة ما ذَكَرتَ، وأنت في مقام الاستدلال. ونعود إِلى ما مَرَّ من النزاع.
قوله، "وكان يجب على ما روُوه أن تكون أعمال الناس هباءً منثورًا من حيث قد فُرِغ مِن الأمر". قلنا: قد مَرَّ الجوابُ عن هذا؛ وهو أنها متعبرَةٌ مِن حيث تَصرُّف اللهِ التكليفيّ الاستقلاليّ تحقيقًا لقدرتِه باطنًا.
ويُروَى في الآثار أنّه سبحانه أَوحَى إِلى داوود: "يا داوود؛ خَفني كما يُخَاف الأسدُ".
قال بعض العلماء: "معناه أنّ الله سبحانه، لاستقلاله بالتَصرُّف في خلقِه، لا يُبالى بما فَعَل فيهم من خيرٍ أو شر؛ كالأسد لا يُؤثِّر في سبعيَّتِه افتراسُ، كائنًا ما كان، عالمًا أو جاهلًا بقدرته الغالِبة باطنًا؛ لأنّه غالبٌ على أمرِه، بالِغٌ ما أَراد مِن خلقِه.
ثمّ يُقال لهم: لا يخلو إِمًا أن يكون اللهُ قادرًا على إِضلال الكافر، أو لا يكون، فإِن لم يكن قادرًا على ذلك، لَزم عجزُه عمّا قدر عليه المجرمون ونحوهم. فإِنّ الكفّار يقولون يوم القيامة: {وما أضلنا إلا المجرمون}، {فأضلونا السبيلا}؛ يعني سادتهم وكبراءهم. وفي هذا مِن القُبحِ والجرأةِ على الله، والاستخفافِ بقدرته، ما لا يَخفى على عاقلٍ. وإِن كان قادرًا عليه، فهو مقدورٌ له؛ وقد صَرَّح بأنّه خالقُ كلِّ مقدورٍ. فأمّا قولهم، "ما أَضَلَّنا إِلاّ المجرمون"، فقد سبق جوابه.
قوله، "وكيف يَصِحّ ذلك مع قوله، {تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا}؛ وهو الذي حملهم عليه! " قلنا: يَصحّ ذلك