غير أنّ هذا الشاعر غَلا في قوله، "بسعيي"، إِلاّ أن يريد السببيّةَ. وأَوفَق مِن هذا لما نحن فيه قولُ الآخَر،
سأَطَّرِحُ التعلُّلَ والتَواني
ولا أُصغِى إِلى عَرِّ لَحاني
وأُطلِقُ في طِلابَتِها عناني
فإِن أَدرَكتُها فهي الأماني
وإِن فاتَت فذاك عذيرُ حالي
قوله، "ومِمَّا يحتجّون به أنّ الله قَبَض قبضةً، فقال: "هذه هي الجنّة، ولا أبالي"، وقَبَض أخرى، وقال: "هذه في النار، ولا أبالي؛ كأنهم يَرون أنّ ربهم يَصنَع ذلك كالمصارع بينهم المحارِب، تعالى اللهُ عمّا يَصِفونه". قلتُ: هذا الحديث، إِنّ صَحَّ، فهو حجّةٌ في الباب. وإِن لم يَصحّ، فقد صَحّ، فهو حجّةٌ في الباب. وإِن لم يَصحّ، فقد صَحّ غيره بمعناه مِن غير وجهٍ، كما سيأتي، إِن شاء الله. ووجه الحجّة منه أنّه إِذا سبق عِلمُه بإِيمان زيدٍ وكفرِ عمروٍ، صار خلافُ ما عَلِمَه فيهما محالًا، غير مقدورٍ، كما سبق تقريره، وما عَلِمه فيهم واجبًا منهم بتقديره ومُقتضَى علمِه السابق.
قوله، "وإِن كان الحديث حقًّا، فقد عِلِم اللهُ أهلَ الجنّةِ وأهلَ النارِ قبلَ القبضتين وقبلَ أن خَلَقَهم، فإِنما قَبَضَ أثرَ أهلِ الجنّةِ الذين في عِلمِه أنهم يَعلمون بما عَلِموا مُمَكَّنين غير مجبَرين؟ "قلنا: إِذا سَلَّمتَ أنه عَلِم أهلَ الجنّة والنار في الأزل، رَجَع النزاعُ معك إِلى أنّ خلاف معلومه مقدورٌ، أو غير مقدورٍ؟ وقد سبق الدليلُ على أنّه غير مقدورٍ؛ فصار مكلِّفًا لهم بالمحال؛ وما صَدَر منهم واجبُ الوقوع لغيره؛ فيَلزَم ما ذكرنا.
أمَا قولك، "أثر مّن كان في علمِه مطيعًا مَمكَّنًا غير مجبَرٍ". قلنا: لم لا يجوز أن