مستقِلّون بتَصرُّفٍ ما.
هذا الكلام باعتبار نفسِ الأمر. أمّا في ظاهر الحُكمِ، فلَم يحكُم فيهم بعِلمِه؛ بل بالحجج والبراهين، تحقيقًا لعداله في الظاهر، ولقدرته وكمال تَصرُّفه في الباطن. فقال: {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}؛ وقال: {ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبه آياتك من قبل أن نذل ونخزى}؛ وقال: {ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولًا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين فلما جاءهم الحق}، الآية؛ وقال: {ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون}؛ ونظائر ذلك من الكتاب.
وأمّا من السنّة، فقد ثَبَت في الحديث أنّ قوم نوحٍ يَقولون يوم القيامة: "ما أَرسَلتَ إِلينا أحدًا، وما أتانا من نذيرٍ". فيؤتى بنوحٍ، فيقول: "قد بَلَّغتُهم". فيقول: "مَن يَشهَد لك؟ " فيقول: "محمّدٌ وأمّتُه". فيُؤتَى بأمّة محمّد؛ فيقولون: "قد بلَّغَهم". فيقال لهم: "كيف تَشهَدون على ما لم تُشاهِدوا؟ " فيقولون: "أَرسَلتَ إِلينا رسولَك بكتابك؛ فآمنّا وصدَّقنا". فيؤتى بالنبىّ صلى الله عليه وسلم، فيقال: "بما تَشهَد؟ " فيَقرأ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الَّرحِيمِ {إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك}، السورة إِلى آخرها. فيقول الله سبحانه حينئذٍ: "صَدَق نوحٌ، وصَدَقَت أمّةُ محمَدٌ". ثمّ يُؤمَر بقوم نوحٍ إِلى النار.
فهذا عدلٌ ظاهرٌ ليس له غايةٌ. وذلك اقتدارٌ باطلٌ ليس له نهايةٌ. فهذا شيء قد فَتَحَ اللهُ سبحانه به في أمرِ القدرِ، فيه لِذي اللُبِّ معتَبرٌ، وعن الآراء الشيطانيّة الشِركِيّة