وَجَب له من العظمةِ والاقتدارِ واتّصافِه بالعزيز الجبّار. فإِنّ المُلك التامّ يَقتضِي عمومَ التصرُّف؛ فكون المِلكِ بَتَصرَّف في بعضِ مُلكهِ دون بعضٍ يكون نوعَ قُصورٍ في المُلك. فجَعَل اللهُ تعالى أفعالَ العبادِ مِن جملة مخلوقاته إِيهامًا لتَصرُّفه في مُلكِه؛ عِلمًا بأنّه لو فَوَّض خلقَها إِليهم، لكانت كما لو خَلَفها. وقد نَبَّه اللهُ على هذه النكتة بقوله: {ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون}، وبقوله، {ولو ردوا لعادوا لما نهو عنه وإنهم لكاذبون}.
أو يقال: اختار أحدَ الأمرين، وهو خلقُ الأفعالِ، دون تركِها، على الختيار فاعليها، لمرجِّحٍ ما غير ما ذَكرنا. فلو اعتَرَض معترِضٌ، وقال: "فهلاّ اختار الأمرَ الآخَر! " قلنا: هو سؤالٌ دَورِيٌ؛ لأنّه لو اختار تَرْكَهم على اختيارِهم، لقال هذا القائلُ: "حيث استَوى الامران، فهلاّ اختار الأمرَ الآخر، وكان أكمل لمُلكِه! ".
ومما يَدُل على أنّه حَكَم فيهم بعلِمه، أو يُستشهد على ذلك، أنّه حَكَم في أطفال الكفّار بعلِمه؛ حيث قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين".
وقد رُوِي في الحديث، مُستندًا إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إِذا كان يومُ القيامة، جِيءَ بأهل الفترة وبأطفال المشركين (أو قال: "أطفال الناس")؛ فيُؤمَر بهم إِلى النار؛ فيقولون: "ربنَا! كيف تعذِّبنا، ولم تُرسِل إِلينا، ولا قامَت علينا حججُك؟ " فيقول: "لو أَرسلنا إِليكم، أكنتم مطيعي؟ " فيقولون: "نعم" فيقول: "فإِني مرسِلٌ إِليكم الآن". فيَبعَث فيهم رسولًا أو رسلًا منهم؛ ثم تُؤجَّج لهم نارٌ؛ ويقال للرسل: "مُرُوهم، فليَدخُلوها؛ وادخُلوا بين أيديهم" فيَدخُل الرسلُ؛ فيَتبَهم قومٌ، فيكونون مِن أهل الجنّة. ويأبى آخرون، فيكونون من أهل النار". أو كمال قال.
فهذا حُكمٌ في هؤلاء بالعِلم؛ فلا يَبعد أنّه حَكَم في جميع العصاة بعلِمه، ورَجَّحَ جانبُ خلقِه أفعالَهم طردًا لتصرفه في كلّ شيء مِن مُلكِه؛ لئلا يكون معه شركاءٌ