علِمُ اللهِ فيهم بأنهم مِن أهلِ الشقاء بما يجري على أدواتهم من الأعمال؛ ولا مبَدِّل لكلمات الله. وقد سبق أنّ ما تَعلَّق عِلمُ الله بأنّه لا يكون، خَرَج عن كونه مقدورًا. وإِيمانُ الكافرِ وطاعةُ العاصي كذلك؛ فهي محالٌ. فصار ضدُّها، وهو الكفر والمعاصي، واجبةً منهم، بخلقِ دواعي ذلك فيهم. وهذا هو المطلوب.
قوله، "قال الله تعالى: {ادخلوا في السلم كافة}؛ كيف يدعوهم إِلى ذلك، وقد حال بينهم وبينه! " قلنا: قد سبق أنّه لا تَنافي بينهما عقلًا ولا شرعًا. فيدعوهم إِليه بمقتضَى تَصرُّفه التكليفىّ، ويحول دونه بمقتضَى تَصرُّفه التكوينيّ؛ كما أنّه، عندنا، أَمَرَ بكسبِ الحلال، ثمّ حال دونه في حقَِ بعض الناس، ورَزَقَه الحرامَ. وهذا ما تُنازِه فيه المعتزلةُ، كما سبق. إِلاّ إِنّ الدليل عليه ما مَرَّ هناك، وأنّ الله أَعانه على كسبِ الحرامِ، باتّفاقٍ، بخلقِ الدواعي إِليه والقدرةِ عليه. ولا يعني بأنّه رَزَقَه الحرامَ إِلاّ هذا؛ وإِلاّ فقد كان قادرًا أن يمنعه عن كسبِه؛ وتَرك المنعِ من القبيح للقادر عن المنع قبيحٌ، كما سبق.
قوله: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإِذن الله}؛ كيث يجوز ذلك، وقد مَنَعَ خلقه من طاعته! " قلنا: هذه اللام مِثلُها في قوله: {إلا ليعبدون}؛ وقد سبق الكلامُ عليها. ثمّ نقول: هنا اللام، إِمّا للعاقِبة فقد قيَّدَها "بإِذن الله"؛ فلا مُطيع للرسل إِلاّ مِن أَذِن له في ذلك إِذنًا كونّيًا زاشدًا على أَمرِه التكليفيّ. وإِن كانت لامَ "كَيْ"، فالمراد معنى الأمرِ والتكليفِ، لا الإِرادة الكونيّة. فالتقدير "ما أَرسَلنا مِن رسولٍ إِلاّ وكَلَّفنا الناس بطاعته وأَمرنا ليُطيعوه". وقد بَيّنّا أنّه لا تَنافى في حَقِّ الله بين تكليفه