وبذنبٍ مثلِه؟ " قلنا: العقوبة تَستلزِم الإِيلامَ، إِمّا للبدن، أو للنفس. فكونها مِن الجنسِ مِثل قوله: {يستهزءون}، {الله يستهزئ بهم}، {إن تسخروا منا فإِنا نسخر منكم}، و {ومكروا ومكرنا مكرا}، ونحوه ممّا ذَكَرنا من أمثلته جملةٌ في القواعد الصغرى. وأمّا كونها بِمثلِ الذنب، فإِنما قال ذلك العارفون. وهو مَرويُّ عن الحَسَن البصرىّ أنّ عقوبة الذنبِ مِثله؛ بمعنى أنّ الله يعاقب فاعلَ الذنب، بأن يَقضى عليه بفعل مثله، ليكون سببًا لعقوبته في الآخرة، تكميلًا لسبب العقوبة؛ لا أنّه يجعل العقوبةَ الحقيقيّة على شُربِ كأسٍ من الخمر شُربها باقي العُمر. ولئن جاز ذلك، فجِوَّزوا أن تَكون عقوبةُ الفُساق والفُجّار في الآخرة بمِثل ذلك. فيكون فرعون في الجنّة أعظم نعيمًا منه في الدنيا بما لا نهاية له.
ثمّ نقول: أنتم توجِبون على الله رعاية مصالحِ عباده، كما يجب على الأب رعايةُ مصالح أولاده. وحينئذٍ، تَقَدُّم الكفرِ والفسوقِ مِن العبدِ يَقتضي على ذلك أنّ الله تعالى يَكفُّه عنه ويُنقذه منه رعايةً لمصلحته. كما إِذا رأى الأبُ في نار مُحرق، أو ماءٍ مُغرقٍ، فإِنّه يُنقِذه منه. فأمّا أنّه سبحانه يزيد العبدَ ضلالًا إِلى ضلالته، وفسقًا إِلى فسقه، فهذا يُنافي أصلكم وكَرَم اللهِ ورحمتَه التي تحتجُّون بها علينا في نَفيِ خلقِ الفِعلِ.
قوله في الوعيد: {أفمن حق عليه كلمة العذاب}، {كذلك حقت كلمت ربك على الذين فسقوا}. قلنا: نعم؛ حَقَّت عليهم كلمةُ اللهِ بقدَرِ اللهِ عليهم أن يَفعلوا المعاصى. ثمّ الآية حجّةٌ عليكم؛ لأنّ المراد "بكلمة ربّك" هي قوله: {لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين}؛ وهذه الكلمة ازليّةٌ، أو أنها قَبلَ خلقهم، ولابّد. وقد سبق