الله، واستحباب العمى بأهوائهم". قلنا: "هَدَيناهم" يعني "أرشدناهم إِرشادًا مجردًا وقَطعنا عنهم خفيرَ التوفيق، فزلوا عن سواء الطرق". وأمّا "العمى"، فكأنْ يخلق اللهُ داعي استحبابه فيهم؛ فأهواؤهم التي يدّعونها هي نفس الداعى المخلوقِ لله المرجِّح لأحد طرفي الممكِن على الآخر.

قوله، "وظَلَّم آدمُ نفسَه، ولم يُظَلّم ربَّه؛ فقال: {ربنا ظلمان أنفسنا}. قلنا: نعم، لأنّا بَيَنا أنّ الله، على ما كان منه إِلى عبادهِ، ليس بظالمٍ لهم؛ وآدم كان عاقلًا. قال بعضُ العلماء: "لو وُزِنَ عقلُ آدم بعقلِ جميع ذريته، إِلاّ محمّدًا صلى الله عليه وسلم، لرَجَح به".فلذلك، فهِمَ حقيقةَ القضيّة؛ فاعترَف على نفسِه بالظلم، باعتبار كسبِه، واحتَجَّ على موسى لمَّا ناظره بتقدير الله وخلقه. ويَدُلّ على هذا قولُه سبحانه، {إِنى جاعلى في الأرض خليفة}. فما خَلَقَ آدمَ إِلاذ ليستخلِفه في الأرض، بسبب مخالفته ومعصيته، لئلاّ يخرِجه من دار الكرامة بغير سببٍ ظاهرٍ. فلو جمَعتم بين طرّفي القضيّة كما جَمَع آدمُ لأَصَبتم وسَلَّمتم؛ ولكن أَخَذتم تعارِضون الحكمةَ الإِلهيّة، كما فَعَلَ إِبليسُ، فكأنكم وقد بان لكم خطأُ رأيِكم وندمتم.

قوله، "وقال موسى: {هذا من عمل الشيطان}. قلنا: نعم؛ أَقَترونه قال: "هذا مِن خلقِ الشيطان"؟ وقد سبق الفرقُ بين الكسب والخلق. فأَضاف العَمَلَ إِلى الشيطان، باعتبار كسبِه بوسوستِه. أو إِنّه مِن جنسِ عَمَل الشيطان؛ لأنّه يأمر بالفساد وسفكِ الدماء وقَتلِ النفوس؛ والشرائع إِنما تأمر بانتظام العالَمِ واستبقاء صحةِ مزاجه. قوله، "قال أهلُ الجهل: "إِنّ الله يُضِلّ ويَهدي من يشاء" قلنا: نعم. نقول ذلك؛ والله قاله. وإِنما الجاهل مَن يَنفى بعقله ما أَثبت الله بُحكمه وشرعه.

قوله، "ولم يَنظروا إِلى ما قبلَ الآية وبعدَها ليَستبين لهم أنّه تعالى لا يُضلّ إِلاّ بتقدُّم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015