قلتُ: هذا سيّدٌ كما نراه جيّدٌ. وقد نَسَب اللهُ سبحانه الإِضلالَ فيه تارةً السامريّ، وتارةً إِلى نفسه تعالى. وليس ذلك إِلاّ باعتبار الكسب والتَسبُّب مِن السامريّ؛ والخلق من الله تعالى بخلق الحياة في العِجل وخلقِ داعي عبادته في نَفسِ مَن عَبَدَه. ولا معنى للخق المتنازَع فيه إِلاّ هذا.
فإشن قيل: "هذا الحديث، بتقدير صحّةِ سندهِ في إصطلاح المحَدِّثين، في متنِه أمران قادحان فيه.
أحدهما: أنّه على خلاف ما صَحَّ عن موسى أنّه لام آدمَ، وقال: "خيَّبتنا، أخرَجَتنا من الجنة". فإِنّه يَقتضِي أنّ موسى، في هذا الحديث، قدّريىٌّ بنسبِته الإِخراجَ إِلى آدم، ولومِه عليه؛ وفي حديث إِسحاق، هو جبريٌّ بنسبتِه إِضلا قومِه إِلى الله سبحانه فأحد الحديثين باطلٌ قطعًا. وهذا أَولى بالبطلان؛ لأنّ ذاك أصحُّ منه.
الأمر الثاني: أنّ فيه أنّ الله قال لموسى: "لا يَنبغي لحكيمٍ أن يكون أَحكم منك"؟ ومِن المعلوم أنّ محمَدًا والمسيح أَحكَم مِن موسى. فإِن لم يكن المسيح أحكم منه، فمحمّدٌ متفَقٌ عليه في ذلك. وهذا يَدلّ على وهنِ الخبر.
فالجواب عن الأوّل أنَ الحديثين لا تَنَافى بينهما؛ لأنّه، في مناظرة آدم، نَسَبَ الإِخراجَ إِلى تَسببِه وكسبِه، حيث أَكَل مِن الشجرة. ولهذا لَمَّا احتَجّ عليه آدمُ بقدرِ الله عليه، وسبقِ عِلمه فيه، انقَطَع موسى؛ حتى قال النبيّ عليه السلام: "فحَجَّ آدمُ موسى" وفي هذا الحديث، نَسَبَ الإضلالَ إِلى الله بالخلقِ والتقدير. فاندَفَع السؤالُ.
وعن الثاني، بأنّ معناه: "لا يَنبغي لحكيمٍ من أهل عصرك، أو من عالمك"؛ لحكيمٍ سوى محمّدًا؛ لقيام الدليلِ عليه. أو "لحكيمٍ موجودٍ"؛ ومحمّدٌ عليه السلام لم يكن حينئذٍ موجودًا. وبالجملة، هو عامٌّ خُصَّ بالدليل.
قوله، {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى}، فكان بدءُ الهُدى من