السامرى}، و {إن الشيطان ينزغ بينهم}، {وزين لهم الشيكان أعمالهم}. قلنا: أضلَّهم في ذلك كله بالتسببِ، لا الخلق. ولو كان فرعونُ أَضَلَّ قومَه، لكان موسى هو الذي هَدَى قومَه. وإِن فَتَحنا هذا البابَ، نَسَبنا هدايةَ المؤمنين إِلى أنبيائِهم وأئمّتِهم، وضلالَ الكفّار إِلى طُغاتهم وفراعنتهم، وانعَزَا الإِلهُ عن التصرف في خلقِه، تعالى عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا.
فإِن قيل: "نعم. موسى هو هَدَى قومَه، بمعنى أرشدهم إِلى الطريق الحقّ"؛ قلنا: لا نُسَلِّم. بل الله أَرشَدهم بواسطته. ولهذا، لَمَّا أضلَّهم السامريُّ، بنسبته إِلى عَملِ العِجلِ، لم يملِك له موسى ولا هارون، وكان معهم حاصلٌ، هدى ولا رشدًا.
وقد رَوَى حربٌ الكِرمانيّ في مسائله، عن إِسحاق بن راهويه، ثنا محمّد بن الوزير الدمشقيّ، ثنا يوسف بن السَفر، ثنا الأوزاعيّ، ثنا يونس بن يزيد الأيليّ، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالكٍ، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الله لَمَّا وَعَد موسى أن يُكَلّمه، خَرَج للوقت الذي وقته اللهُ. قال: "فبينا موسى يُناجي ربَّه، إِذ سَمع خلفَه صوتَا؛ فقال: "إِلهي؛ أني لأسمع خلفي صوتًا. لعلّ قومي ضلُّوا". قال: "نعم، يا موسى". قال: "إِلهي؛ فمَن أَضَلَّهم؟ " قال: "صاغ لهم عِجلًا جسدًا، له خُوارٌ". قال: "إِلهى؛ هذا السامرى. قال: إِلهي؛ وما أَضَلَّهم؟ قال: "صاغ لهم عِجلًا جسدًا، له خُوراٌ". قال: "إِلهى؛ هذا السامريّ صاغ لهم العِجل، فمَن نَفَخ فيه الروح حتى صار له خوارٌ. قال: "أنا يا موسى". قال: "فوعزِتّك إِلهي، ما أَضَلَّ قومي أحدٌ غيرك" .. قال: "صَدَقتَ يا حكيم الحكماء؛ لا يَنبغى لحكيمٍ أن يكون أَحَكَم منك".