بأن يقول له: "كُنْ"، أو بسلبِ الجبلِ ذقل، والرجلِ قوّتَه. ولا استحالة في شيء من ذلك.

وأمّا ما ذكرتم، من فساد تَصرُّفاتِ العقلاء، في حبسِ اللصوص، ونحوه، فقد أَجَزتم مثلَه؛ وهو أن يُزيل اللهُ القيدَ من رِجل اللص، ويخرِق له الجدارَ، ليَفرّ. ولكنّكم تقولون: "إِنّه لا يَفعل"؛ بنحن أيضًا نقول ذلك.

قلتُ: بهذا أجاب الإمامُ فخر الدين عن هذا السؤال. وفيه نظرٌ؛ لأنّه إِلزمٌ للجواز على الوقوف؛ وبينهما بونٌ؛ لأنهم هم إِنما جَوَّزوا على الله إِزالةَ القيدِ، وخرقَ الجدارِ للّصِّ، ومنعوا وقوعَ ذلك منه؛ كسائر العاديّات التي تجوز؛ ولا تَقع. وهو كثيرًا ما يَحتَجّ بها عليهم. وهم إِنما أَلزَموه وقوعَ العقوبات من العقلاء باللصوص ونحوهم.

والأولى في الجواب أن يقال: قد قدّمنا الفرقَ بين الخلق والكسب. ونحن عندنا أنّ عقوبات العقلاء للجناةِ أكسابٌ خَلَقها اللهُ فيهم؛ ثمّ أوقَعها بالجناة مكافأة لهم على أكسابهم، التي هي الجنايات القبيحة. فالجنايت وعقوباتها مخلوقاتٌ لله سبحانه على أدوات العباد، دائرةٌ مع قصودِهم وإِراداتهم وجودًا وعدمًا. ولا يَلزم من ذلك فسادُ تصرُّفِ العقلاء في ذلك؛ لأنّكم إِن عَنيتم "بفساده" كونَه قبيحًا في العقل، حيث عاقبوا غير موجِد الجناية، فنحن قد أَبطلنا القبحَ العقليّ. وإِن عَنيتم كونَه قبيحًا في الشرع، فالإِجماع على خلافه؛ لأنّ الشرع أَذِنَ في عقوباتهم؛ وهو المحَسَِن المقَبح. على أنّ أكثر ما فيه تكليفُ ما لا يطاق؛ ونحن نجيزه. فلتكن جنايةُ الجاني مخلوقةً لله، لتكون أمارةٌ على استحقاقِه عذابَ الآخرة. وقد أقمنا الدلالة على جواز تكليف ما لا يطاق. فإِن سَلَّمنموه، بطل ما أَلزَمتُموناه. وإِن مَنَعتموه، فشنعوا به؛ لأنّ ما أَلزَمتموناه من فروعِه ولوازمه. ولا تُوهِمُوا أنّا التَزَمنا مُحالاتٍ كثيرةً؛ وإِنما هي مسألةٌ واحدةٌ.

"التاسع: لو لم يكن العبدُ موجِدًا لأفعاله، لما استَحثّ ثوابًا ولا عقابًا، ولكان الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015