سبحانه مبتدِئًا بالثواب والعقاب من غير استحقاقٍ من العبدِ. ولو جاز ذلك، لجاز منه تعذيبُ الأنبياء والأولياء، وإِصابةُ الفراعنة والأبالسةِ؛ وذلك مِن فِعلِ السفهاءِ، ومنافٍ لقوله، {أفنجعل المسلمين كالمجرمين}، ونحوه من الآيات".
والجواب: عندنا أنّ العبد غيرُ موجِدٍ لأفعالِه؛ بل كاسبٌ لها، كما سبق. ولا يَستحِقّ على الله ثوابًا. وقد مرَّت المسألةُ مستوفاةً. والله سبحانه مبتدئٌ بالثواب والعقاب بشبهة الاكتساب. ولا يَستحقّ أحدٌ على الله شيئًا. وما أَلزَمتُموه، مِن جواز تعذيب الأنبياء وإِثابة الفراعنة، هو مُلتَزَم الجوازِ؛ لكن مَنَعَ من وقوعه مانعان. أحدهما: كونُه من العاديّات التي تجُوز لذاتها، ويمتنِع وقوعُها، لاطّراد العادة، كما سبق غيرَ موضعِ؛ كما جوَّزتم إِعانةَ اللصِّ على الفرار، ومَنَعتم وقوعَه منه تعالى. المانع الثاني: إِخبار القرآن بإِثابة الطائع وعقاب العاصى. والخُلف في إخبار اللهِ تعالى محالٌ. وخُصّ من هذا الدليل أصحابُ الوعيدِ من الأمّة سمعًا، بقوله تعالى: {ويغفر ما دون ذلك لمِن يشاء}، ونحوه، مما سبق.
وقد صحّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "لن يُدخِل أحدأ منكم عملُه ". الجنّة". قالوا: "ولا أنت؟ " قال: "ولا أنا. إِلاّ أن يَتعمَدني اللهُ برحمته" ولا خلاف بين المعتبَرين مِن أهل النقلِ في صحّة هذا الحديث؛ وتَلقّته الأمّةُ بالقبول. ومذهب المعتزلة يَقتضِي أنّه باطلٌ؛ فيخالِفون بذلك جميعَ الأمّة.
ورُوي عنه عليه السلام أنّه قال: "لو عَذَّبني وابنَ مريم، لكان عادلًا".
قوله، "ذلك مِن فِعلِ السفهاءِ". قلنا: هو تقبيحٌ عقليُّ؛ وقد أبطلناه. ومهما فَرَضنا