بالحال؛ وقد سَبَقَ بيانُ جوازِه.
"السابع: لو كان اللهُ خالقَ القبائح، لكان جاهلًا ومحتاجًا. لأنّه كذلك في الشاهد. بل كان هو أَولى بذلك؛ لأنّه مسقِلُّ بالفعل؛ بخلاف الشاهد".
والجواب أنّ قياس الغائب على الشاهد مطلقًا، فاسدٌ، وإِلاّ لَزِمكم قولُ المجسّمة؛ إِذ لا فاعل في الشاهد إِلاّ جسمٌ. ولا نُسَلَّم أنّ خلقَه القبائحَ يَستلِزم الجهلَ، أو الحاجةَ؛ لأنّا وإِيّاكم وغيرنا لم نُحِط بحكمِه ومعلوماته. فعسى له في ذلك من الحكمة خَفِيَت عنّا، كما سبق لموسى مع الخضر؛ وأَولى. ولو لم يكن في ذلك من الحكمة إِلاّ استحقاق أحدِ الفريقين منّا ومنكم الملامةَ بسوء العقيدة، لكان كافيًا. فإِذًا، إِنّا أو إِيّاكم، لعلى هُدًى، أو في ضلالٍ مبينٍ.
"الثامن: لو كان هو الخالق للأفعال، لكان إِمّا أن يَتوقّف خلقُه لها على دواعي العبيد وقُدَرهم؛ فيَلزَم احتياجُه إِلى ذلك منهم. أو لا يتوقف؛ فيَلزَم وقوعُ الأفعالِ المحكَمَة، كالكتابة والنِّساجة، ممن لا عِلم له بها. ووقوع الأفعالِ العظيمة الهائلة ممن لا قدرة له عليها، كنقلِ النملةِ جبلًا شامخًا، ونحو ذلك، ممّا فساده ضرورى. وفي ذلك زوالُ الفرقِ بين القوي والضعيفِ، وفسادُ تصَرُّفاتِ العقلاسِ، في حبسِهم اللصوصَ وقُطاعَ الطريقِ، وعقوبتِهم كلِّ جانٍ. وكلّ ذلك باطلٌ بالضرورة".
والجواب: لنا أن نَلتزِم القسمَ الأوّل، ونقول بتَوقُّف خلقِه لأفعالهم على دواعيهم وقُدَرِهم، لا تَوَقُّف حاجةٍ، بل تَوقُّف الحكمةِ على شرطِ وجودها؛ كما توقَّفَت معرفةُ ربوبيّته على إِيجاد العالم، وإِن لم يكن به إِليهم ولا إِليها حاجةٌ.
ولنا أن نَلتَزِم الثاني، ونَلتَزِم ما أَلزَموه، مِن وقوع الأفعالِ المحكَمَة ممن لا عِلم له بها، بطريق الإِلهام والتسخير، كالنحل في بنائها المسدّسات الهندسيّة، والعنكبوت في بنائها بيتَها، ومِن خلقِ الرعشةِ في المرتعِش خاليةً عن حكمة قادرٍ أن يُرتِّب عليها أفضلَ الحِكَم.
وأمّا حملُ النملةِ الجبلَ، وعجزُ الرجلِ عن رفعِ آجرةٍ من الأرض، فهو أيضًا مقدورٌ له؛