كذلك، لم يكن لله على الكافر نعمةٌ". قلنا: دينيّةٌ، أو دنيويّةٌ؟ الأوّل مُسلَّمٌ؛ فإِنّ الله سبحانه ليس له على أحدٍ من الكفّار نعمةٌ في دينه؛ إِذ النعمة الدينيّة هي الهداية إِلى الإِيمان، كما قال سبحانه: {بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان}، وقوله: {ما يريد أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا}. والثاني ممنوعٌ؛ بل لله على الكفّار أجَلّ النِعَم الدنيوية؛ قال الله سبحانه: {وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها}.
قولهم، "اللذّة الدنيويّة الفانية، بالنسبة إِلى العقوبة الأبَدية الدائمة، كالقطر من البحر، بل أقلّ. وإِنما ذلك كالسمّ في الحلوى، يُستدرَج بها آكِلُها ليَهلَك بما في ضِمنِها. كما قال الشاعرُ:
هَوًى يَلَذُّ، وإِن ساءت عواقُبًه ... كما يَلَذّ ويُؤذي حكُّه الجرَبُ
قلنا: هو كما زَعمتَ لا محالة. لكنّ لا يُخرِج ما ألُعطوه في الدنيا عن أن يكون نِعمةَ؛ لأنها مشتقةٌ في اللغة من النُعومةِ والتنعُّمِ. ومَن نازَعَ في حصول ذلك لكسرى وقيصر ونمرود وفرعون ونحوهم ممَّن هو دونهم وفوقهم من الكفّار، فهو منازعٌ في الضرورات.
"لسادس: لو خَلَقَ الكفرَ في الكافر، ثمّ كلَّفه بالإيمان، لكان ذلك تكليفَ ما لا يطاق. ولو جاز ذلك، لجاز تكليفُ الأعمى نقطَ المصحفِ، والزمَّنِ العدوَ، ولجاز التكليف بخلقِ القديمِ، والجمعِ بين الضدّين، ولو جاز ذلك تكليفُ الجمادات. وكلّ ذلك باطلٌ، بالضرورة".
والجواب: قد سبق هذا السؤالُ؛ وجوابه مستقصَيًا, ثم أكثر ما فيه التكليفُ