شكٌ أنّ مناظرتنا لكم ليست ضربةَ لازِبٍ. وكذلك أنتم معنا. إِذ كلُّ منّا قد اعتَقَد صحّةَ مذهبِه؛ فهو يقول لخصمه: "لكم مذهبكم، ولي مذهبي"؛ كما يقول لخصمه من غير الدين: "لكم دينكم، ولي دينِ". وإِنما التبيان فيما إِذا انقَضَّنا على المناظرة لتحقيق الحقِّ وتعيينه في طرَفٍ، ودفعِ الشبهةِ عن ضَعفَي العامّة. أليس كلَ منّا يَلزَمُه الجوابُ عن سؤال صاحبه بمقتضى التزامِه الدخولَ معه في المناظرة؟ بلى! وذلك هو الإِنصاف.
"ومنها لزومُ أمورٍ بالإِجماع؛ وهي تسعةٌ.
"أحدها: لو كان الله سبحانه خالقِ القبائحِ، كالظلم والعبث، لجاز أن يخلقها مستقلًا منفرِدًا بها، غير مُجْر لها على أدوات العبد. وحينئذٍ، كان يكون ظالمًا عابثًا. إِذ حقيقةُ الظالمِ والعابثِ موجِدُ الظلمِ والعبثِ".
والجواب أنّ هذا السؤال محالٌ؛ ولازم المحالِ محالٌ. وبيانه أنّك إِن عنيتَ" بخلقِه للظلم والعبث ونحوه منفرِدًا به"، أنه يُجريه على ذاته على حدِّ إجرائه إِيّاه على ذاتِ الآدميّ، فهو محالٌ؛ لأنّ ذلك يجري على حركات الآدميّ وأبعاضِه وأجزائه؛ والله سبحانه منزَّهٌ بالإِجماع عن الحركات والأبعاض والأجزاء. وإِن عَنيتَ أنّه يخلقها قائمةً بنفسها، لا في ذاته، ولا ذاتِ غيره، فهو محالٌ؛ لأنها أعراضٌ لا تَقُوم بنفسها. والمحال لا يَدخل تحت المقدوريّة ولا قسم وراء هذين القمسين. إِلاّ أن يقال: "يجوز أن يَنفرِد بخلقِها". بمعنى أن يجريها على ذاتِ ما ليس بعاقلٍ، ولا مكلًّفٍ، كالجمادات والبهائم. فهو خارجٌ على تكليف المحال؛ وقد سبق الكلامُ عليه.
وعلى المقادير كلِّها، لا يَلزَم تسميتُه "ظالمًا" ولا "عابثًَا". أمّا أوّلًا، فلأنّ أسماءه عندنا توقيفيّةٌ؛ ولأنّ إِطلاق ذلك عليه يُوهِم قيامَ الظلمِ ونحوه بذاته. وإِذا كنّا لا نقول: "يا خالق القاذورات"، ونحو ذلك، مع أنّه عريُّ عن الإِبهام المذكور، فأنْ لا نُسمِّيهٍ "ظالماً" أَولى. وأمّا ثانيًا: فلأنّ عل هذا التقدير، نحن إِنما نَشتقّ للذات صفةٍ من معنًى قام بها، لا يغيرها؛ كالأَسوَد لمن قام به السوادُ، والمتحرِّك لمن قام به الحركةُ؛ خلافًا لكم في ذلك، حيث سمَّيتم اللهَ تعالى متكلَّمًا لكلامٍ زعمتم أنّه خَلَقَه في ذات غيره، من