الوجه الثاني أنّ قوله: "لجاز أن يَستدرج العبدَ، بخلق الكفر فيه، إِلى عقابه"، قلنا: نعم. هو جائزٌ وواقعٌ؛ والنزاع فيه.
وأمّا جواز أنّ دين الإسلام هو الباطل، وغيره الحقّ، فممتنِعٌ. وذلك لأنّ حقيَّة دينِ الإِسلام عَلمناها بالأدلّة العقليّة الدالّة لذواتها، لا بوَضعِ واضعٍ. فلا يجوز تغيرُ حقيقةِ دلالتها. فتجويز أنّ دين الإسلام باطلٌ، مع أن حقّيّته ثابتةٌ بالدليل العقليّ الدالّ لذاته، ممّا لا يجتمعان؛ وإِلاّ لّزِم منه قلبُ حقائقِ الأشياء؛ وهو محالٌ. فلا جرم، لَمَّا كان تجويز بطلانِ الإِسلام مَلزومًا لهذا المحال، كان محالًا. ثمّ لَمّضا كان نفي خلقِ اللهِ سبحانه الكفرَ والضلالَ في العبدِ استدارجًا له مَلزومًا لتجويز بطلانِ الإسلام، كان أيضًا محالًا. وإِذا كان نفىُ خلقِه الكفرَ والضلالَ في العبد محالًا، كان نقيضُه- وهو خلقُه الكفرَ والضلالَ في العبد- واجبًا؛ وهو المطلوب فسؤاله انقَلَب عليه.
ثمّ نقول: إِنّ الإِسلام إِنما ثَبت بدلالة المعجِز. ولا شكّ أنّ الناس اختَلَفوا في دلالة المعجزة على صِدق مدَّعي النبوّة، هل هي لذاتها، أعني لكونه معجِزًا؟ أو ليَنزل ظهورُه على يده منزلةَ قولِ الله، "صدقتَ، إِنّك رسولي"؟ فإِن كان الأوّل، لَزم منه المحالُ المتقدِّم. وهو أنّ خلاف الدليل الدالّ لذاته محالٌ؛ فملزومه، وهو تجويز بطلانِ الإِسلام، محالٌ، وإِن كان الثاني، وهو الصحيح، كان بطلان الإِسلام ملزومًا لوقوع الكذب من الله سبحانه، لينزل ظهورُ المعجِزِ على يدِ النبيّ منزلةَ قولِ الله له، "صَدَقتَ". فلو كان الإِسلام باطلًا، لكان هذا التصديق كاذبًا؛ وهو محالٌ، لما سبق من استحالة الكذب على الله سبحانه.
وأمّا تجويز أنّ المعتزلة في هذه المسألة وغيرها من مسائل النزاع الإِسلاميّة معهم على الحقّ، ونحن على الباطل، فهو صحيحٌ. لأنّا بيّنّا أنّ هذه المسألة ونحوها ليس الحُكم معلومًا فيها بالضرورة؛ وإِلاّ لما تَنازَعنا فيها. ولهذا، اختلف الناسُ في تفكيرهم بها وبأمثالها. لكنّ التجويز الطلَق أعمّ مِن أن يكون راجحًا، أو مرجوحًا، أو مساويًا. فكلُّ. فكلُّ من الفريقين، إِذا أَنصَفَ، جَوَّز على الحقّ، ونحن على الباطل، فهو صحيحٌ. لأنّا بيّنّا أنّ هذه المسألة ونحوها ليس الحُكم معلومًا فيها بالضرورة؛ وإِلاّ لما تَنازعنا فيها. ولهذا، اختَلَف الناسُ في تكفيرهم بها وبأمثالها. لكنّ التجويز المطلَق أعمّ مِن أن يكون راجحًا، أو مرجوحًا، أو مساويًا. فكلُّ من الفريقين، إِذا أَنصفَ، جَوَّز على رأيه الخطأَ؛ لكن يَدَّعي رجحانَه.
قوله: "فلا تَستحِقون الجوابَ إِلاّ لمرجحٍ". قلنا: هذا معارَضٌ بمِثلِه. فإِنّكم أيضًا إِذا استدللتم في المسألة، قلنا لكم: تجويز خطأكم غيرُ ممتنعٌ؛ فلا تَستحِقّون الجوابَ. ولا