الجواب، جاز لنا مِثلُه ها هنا؛ فنقول: إِظهارُ اللهِ سبحانه المعجِزَ على يدِ الكاذب، لا إِنّه قبيحٌ، ولا إِنّه غير قبيحٍ؛ بل يُمسَك عن القولين. أو نقول: المعجِز الظاهر على يدِ الكاذب، لا نقول إِنّه يَدلّ على صدِقه، ولا إِنّه لا يَدلّ؛ بخلاف الصادق، فإِنّ معجِزه يَدلّ على صِدقِه، ولابدّ.
قلتُ: كذا أَلَزمهم الإِمامُ فخر الدين في النهاية. وفيه نظرٌ؛ لأنّ المعجِز إِذا ظَهَر على أيديهما، لم يُعلَم أيّهما الصادقُ، ليكون معجِزهُ دليلَ صدقِه؛ ولا أيّهما الكاذبُ، ليُمسَك عن عدمِ ذلك ونفيه. وإِنما يَصحّ له ما ذَكَر لو عُلِمَ منهما الصادقُ من الكاذبِ قبلَ ظهورِ المعجِز. فبتقدير أن لا يُعلَم ذلك، يَقَع اللبسُ؛ وهو المدَّعى قبحُه.
والتحقيق أنّ هذا الذي أَلزَمهم به هو من باب مقابَلة الفاسد بالفاسد؛ لأنّ قولهم، "لا نقول هو خطأٌ، ولا إِنّه ليس بخطأٍ، وقوله، "لا نقول إِنّه يَدلّ على صدقِه، ولا إِنّه لا يَدلّ"، إِن عَنوا به إِثباتَ الواسطةِ بين القسمين، فلا واسطة؛ بل هو رفعٌ للنقيضيت. وإِن عَنوا به السكوتَ أدبًا مع الله، فقد قالوا بأحد النقيضين في المعنى من حيث نَفوه. والله أعلم.
"ومنها سدُّ بابِ الوثوق بوعد الله ووعيده؛ لأنّه إِذا جاز أن يخلق القبائحَ، جاز عليه الكذبُ؛ فلا يوثَق بشيءٍ مِن إِخباره".
والجواب أنّ "الكذب" إِمّا أن يقال هو الخبر غير المطابِق، أو يقال هو الإخبار غير المطابق. فإِن كان الكذب هو الأوّل، فالخبر لا شكّ أنّه كلام الله؛ وهو صفةٌ له ذاتيّةٌ، سواءٌ قيل: "هو معنًى نفسانيٌ"، على رأي الأشعريّ، أو "قولٌ متلو"، على رأي جمهور السلف. وأيًّا ما كان، استحال لحوقُ الكذبِ له؛ لأنّه نقصٌ؛ والنقص لا يَلحَق صفاتِه تعالى، كما لا يَلحَق ذاتَه. فحينئذٍ، يَصير معنى قوله: "لو جاز أن يخلق القبائحَ، لَلَحقَ النقضُ صفاتِه". وهو كقوله: "للحِقَ النقصُ ذاتَه". ولا ملازَمة بين ذلك وبين خلقِه، أو جوازِ خلقِه للقبائح.
وأيضًا، دلّ الدليلُ القاطع على استحالة الكذب عليه سبحانه. إِذا لو جاز عليه الكذبُ، لكان إِمّا كاذبًا لنفسه، كقول المعتزلة في الصفات؛ أو بكذبٍ قديمٍ؛ إِذ لا تَقومُ