فى القياس هو القَدْر المشتَرك بين الأصل والفرع؛ وهو الظهور. أعني أنّ العالَم ظَهَر بعد أن لم يكن ظاهرًا. وأفعال العبد ظهَرت بعد أن لم تكن ظاهرةً.
فإِن قيل: "لكن يَلزم من ذلك أن يكون صانعُ العالم كاسبًا له، لا موجِدًا، كالعبد مع أفعاله. فيحتاج أيضًا إِلى موجِدٍ؛ ويلزم التسلسلُ، أو يَفسد القياسُ"، قلنا: لا يَتعيَّن أن يِلزمَ ذلك. بل جاز أن يَلزم ذلك. بل جاز أن يَلزمَ أنّ المعدوم شيء وذاتٌ وجوهرٌ، وأنّ العالَم كذلك في الأزل. والقدرة القديمة إِنما أثَّرت في إِظهاره بعد خفائه، كما سبق من مذاهب المعتزلة. فيكون القياس على أصلِهم صحيحًا؛ وإِن كنا ننازِع في ذلك.
"ومنها أنّ الله سبحانه سدَّ باب النبوّات؛ لأنّ الله سبحانه، إِذا كان خالقًا لجميع القبائح، لم يمتنِع مِن أن يُظهِر المعجزاتِ على أيدي الكّاتبين؛ فيَقع اللبسُ بين النبيّ والمتنّبيء."
قلتُ: وقد سبَق جوابُ هذا مستوفيًا في الوجه الثالث من أدلّتهم على تحسين العقل وتقبيحه. ونزيد ها هنا بأن نقول: هذا المحذور، كما هو لازمٌ علينا، فهو لازمٌ عليكم. أمّا على أبي الحسين، فلأنّه سَلَّم أنّ العبد لا يَفعل إِلاّ لداعٍ من الله، دفعًا للتسلسل، وسَلَّم أنّ حصول الفِعل عقيب الداعي واجبٌ. فحينئذٍ، قد فَعَل اللهُ في العبد ما أوجَب صدورَ الكفرِ عنه. ولا فرق في العقل بين فعلِ القبيح وقِعلِ ما يوجِب القبيحَ. فإِن لَزم علينا من الأوّل سدُّ بابِ النبوّة، لَزم عليه من الثاني ذلك بعينه؛ وقد سبق هذا أيضًا.
وأمّا على مشايخ المعتزلة، فلأنهم حَكَموا بأنّ الله قادرٌ على القبيح، وعلى إِيجاد ما عَلمَ أنّه لا يوجَد. فلمّا قيل لهم: "ذلك يَدُلّ على السَّفَه، وعلى انقلاب العِلم جهلًا؛ وهو محالٌ على الله سبحانه"، قالوا: "القبيح الذي يوجِده اللهُ سبحانه لا يُقال إِنّه يَدلّ على السفه والجهل، ولا إِنًه لا يَدلّ؛ بل يُمسك عن القولين". وإِذا جاز لهم مثلُ هذا