بطلانُ ما ادّعى صحتَه ضرورةً ضروريًّا.
أمّا الأوّل، فوجود أفعال العبد مطابِقةً لداعيتِه وقصدِه دائرةً معه وجودًا أو عدمًا، لا يدلّ على أنّه هو المؤثِّر فيها، الموجد لها؛ لجواز أنّ الله سبحانه أوجَدها مطابِقة لقصوده، دائرةً معها، بواسطة خلقِه الإِدارةَ له، كما بيّنّا قبل.
وأنّا الوجهين الآخرين، فكلّ ما ذَكَر فيهما، مِن ذمَّ العقلاِ للمسيء، ومدحهم للمحسن، وطلبهم للأمر، وتلطّفهم لمن طَلأبوا ذلك منه، إِلى سائر ما ذكره، فإِنّه راجعٌ [إِلى] كسبه الذي أجراه اللهُ سبحانه مطابِقًا لقصدِه، بواسطة إِادته. فلِمَ قلتَ: "إِنّه ليس كذلك"؟
قوله، "لأنهم يفعلون ذلك فِعلَ عالِمٍ بأنّه الذي يُوِد ذلك الفعلَ". قلنا: الكلام على هذا من وجهين. أحدهما: لا نُسلِّم أنهم يعملون ذلك؛ بل يعتقدونه، لَمَّا رأوا الفعلَ جاريًا على أدواته، بحسب قصوده وإِرادته. والاعتقاد يُصيب ويخطئ [فتبقى] حاجةٌ إِلى أن نُبيِّن أنّ اعتقادهم ذلك صوابٌ.
الوجه الثاني: أنّ نقول: "احتجاجُك في هذا بمَن مِن العقلاءِ؟ والرعاع؟ أو بأهل النظر والإطّلاع؟ إِن كان احتجاجُك باعتقاد القسم الأوّل، فلا عبرة بهم ولا باعتقادهم. ثمّ هم معارَضون بأضعافم من أهل الإِثبات، يقولون في كلّ أمرٍ واقعٍ: "هذا فِعلُ اللهِ، وهذا مقدورٌ عليه". وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لأنَس، "لا تَقُل لشيءٍكان: "ليته لم يكن"؛ ولا لشئ لم يكن: "ليته كان"؛ ولكن قُل: "قَدَّر اللهُ، وما شاء فَعل". وإِن كان احتجاجُك بالقسم الثاني، فالمنازع لك منهم أكثُر من المتاِبِع. فهذا جوابه عن دعوى العلم الضروريّ بأنّ الهبد موجدٌ لأفعاله.
ثمّ قال أبو الحسين: وإِن سلَّمنا أنّ ما ذكرتموه يَنفي كونَ العبدِ موجِدًا، لكنّ عندنا ما يقتضي نقيضَ ذلك من وجوهٍ عقليّةٍ وسمعيةٍ. أمّا العقليّة، فثلاثةٌ.